الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه وأعتقه عن ظهاره]

                                                                                                                                                                                        وإن قال: إن اشتريت فلانا فهو حر، فاشتراه وأعتقه عن ظهاره- لم يجزئه، وقال محمد: فإن قال: إن اشتريته فهو حر عن ظهاري أجزأه.

                                                                                                                                                                                        فإن اشترى أباه فأعتقه عن ظهاره أو نوى ذلك قبل الشراء لم يجزئه؛ لأنه معتق عليه بنفس الشراء، فإن كان عليه دين فأذن له غرماؤه أن يشتريه ويعتقه عن ظهاره- أجزأه، وكذلك إذا اشتراه بغير إذنهم، فأذنوا له أن يعتقه عن ظهاره؛ لأن الدين يمنع من عتقه، فإذا صح ألا يعتق وأن يباع للغرماء- صح إذنهم في عتقه عن الواجب.

                                                                                                                                                                                        وإن أعتقه عنه أجنبي بغير أمره أجزأه على قول ابن القاسم، وأبوه وغيره في ذلك سواء؛ لأنه لم يملكه ولم يعتق عليه، ويختلف إذا كان بأمره، فقيل في هذا: الأصل كأنه ملكه لما كان بأمره، فلا يجزئه. وقيل: يجزئه؛ لأنه لم يملكه.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف فيمن زوج عبده ثم أعتق السيد ذلك العبد عن زوجته [ ص: 2338 ] بأمرها، هل ينفسخ ذلك النكاح، ويكون ذلك ملكا منها له قبل العتق أو لا ينفسخ؟

                                                                                                                                                                                        قال محمد: ولو اشتراه وصي فأعتقه لأجزأه عن الميت من رقبة واجبة أوصى بها، ما لم يكن الميت هو الذي أوصى بشرائها؛ لأنه لو اشتراه هو نفسه لم يجزئه، وليس هذا بالبين، وأرى أن يجزئه؛ لأنه لا يعتق على ميت، وليس بمنزلة ما لو اشتراه هو قبل موته. ولو قال: اشتروه ليخلص من ملك فلان، لإساءته إليه، ولا تعتقوه- لم يعتق؛ لأنه لا يعتق على ميت، وإذا جاز أن يبقى رقيقا صح أن يوصي بأن يعتق عن ظهاره.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا صحت العودة من المظاهر ثم كفر عنه غيره، فقيل: تجزئه الكفارة كانت بأمره أو بغير أمره. وقيل: إن كانت بأمره أجزأته، وإن كانت بغير أمره لم تجزئه.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: لا تجزئه، وإن كانت بأمره، وقال ابن القاسم فيمن أعطته زوجته رقبة يعتقها عن ظهاره منها لم يجزئه إذا كانت العطية بشرط أن يعتقها، والأول أصوب، لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل علينا رجل ونحن بمنى بلحم بقر، فقلنا: ما هذا؟ فقالوا: ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 2339 ] عن أزواجه البقر. وكنا قد تمتعن، فذبح عنهن عن المتعة بغير أمرهن. ولحديث ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت أفأحج عنها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء". أخرجه البخاري.

                                                                                                                                                                                        فجعل فعله قضاء، وإن كان بغير وكالة، واختلف إذا اشترى عبدا بشرط العتق ليعتقه عن ظهاره، فقال مالك وابن القاسم في المدونة: لا يشترى بشرط العتق؛ لأنها ليست برقبة تامة، وفيها شرط يضع من ثمنها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة في شرح ابن مزين: إن كان جاهلا لم يؤمر بالإعادة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إن كان عالما أن ذلك لا ينبغي له لم يجزئه، وإن كان لا وضيعة في ثمنها، وإن كان جاهلا ولا وضيعة في ثمنها أجزأه، وإن كان فيه وضيعة لم يجزئه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القصار فيمن قال لرجل: أعتق عبدك عني عن كفارتي، [ ص: 2340 ] فأعتقه - أجزأه، وسواء كان بجعل جعله له مثل أن يقول: أعتقه عني ولك ألف درهم، أو بغير جعل، الجميع جائز.

                                                                                                                                                                                        وهذا أصوب على أصل ابن القاسم؛ لأنه إذا أجزأ، وهو كله هبة بغير عوض، فأحرى إذا كان بيعا ولم يكن في الثمن وضيعة، وأحرى إذا اجتمع فيه هبة وبيع، فالمحاباة هبة، والبيع ما سواها، ومن أعتق عبده عن ظهاره على مال فإن كان المال في يدي العبد جاز؛ لأنه انتزاع، وكذلك إن أعتقه على أن يؤخره به إلى أجل جاز؛ لأنه كان قادرا على أن ينتزعه، فتركه في يديه، وتأخيره به معروف من السيد وزيادة خير، وإن كان العبد معسرا بالمال لم يجز؛ لأن تلك المبايعة باعه نفسه بما جعل عليه، ولا يصح أن يبيعه نفسه ويعتقه عن ظهاره، ولو وضع عنه المال بعد ذلك لم يجزئه؛ لأن العتق يرد على وجه المبايعة. [ ص: 2341 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية