الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة .

و " كيف " هذه مؤكدة لـ " كيف " التي في الآية قبلها ، فهي معترضة بين الجملتين . وجملة وإن يظهروا عليكم إلخ يجوز أن تكون جملة حالية ، والواو للحال ويجوز أن تكون معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد إخبارا عن دخائلهم .

وفي إعادة الاستفهام إشعار بأن جملة الحال لها مزيد تعلق بتوجه الإنكار على دوام العهد للمشركين ، حتى كأنها مستقلة بالإنكار . لا مجرد قيد للأمر الذي توجه إليه الإنكار ابتداء ، فيؤول المعنى الحاصل من هذا النظم إلى إنكار دوام العهد مع المشركين في ذاته ابتداء ; لأنهم ليسوا أهلا لذلك ، وإلى إنكار دوامه بالخصوص في هذه الحالة . وهي حالة ما يبطنونه من نية الغدر إن ظهروا على المسلمين ، مما قامت عليه القرائن والأمارات ، كما فعلت هوازن عقب فتح مكة . فجملة وإن يظهروا عليكم معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد

وضمير يظهروا عائد إلى المشركين في قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله ومعنى إن يظهروا إن ينتصروا . وتقدم بيان هذا الفعل آنفا عند قوله تعالى : ولم يظاهروا عليكم أحدا . والمعنى : لو انتصر المشركون ، بعد ضعفهم ، وبعد أن جربوا من العهد أنه كان سببا في قوتكم ، لنقضوا العهد . وضمير " عليكم " خطاب للمؤمنين .

[ ص: 124 ] ومعنى لا يرقبوا لا يوفوا ولا يراعوا ، يقال : رقب الشيء : إذا نظر إليه نظر تعهد ومراعاة ، ومنه سمي الرقيب ، وسمي المرقب ، مكان الحراسة ، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد ; لأن من أبطل العمل بشيء فكأنه لم يره وصرف نظره عنه .

والإل : الحلف والعهد ; ويطلق الإل على النسب والقرابة . وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات ، فيصح أن يراد هنا كلا معنييه .

والذمة ما يمت به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار مما يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى . يقال : في ذمتي كذا ، أي ألتزم به وأحفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية