الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          والأضحية سنة مؤكدة ولا تجب إلا بالنذر ، وذبحها هي والعقيقة أفضل من الصدقة بثمنها والسنة أن يأكل ثلثها ، ويهدي ثلثها ، ويتصدق بثلثها ، فإن أكل أكثر جاز ، وإن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ الصدقة منها . ومن أراد أن يضحي ودخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئا . وهل ذلك حرام ؛ على وجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( والأضحية سنة مؤكدة ) في قول أكثر العلماء ؛ لأنه - عليه السلام - فعلها ، وحث عليها ، وعن ابن عباس مرفوعا : ثلاث كتبن علي وهن لكم تطوع : الوتر ، والنحر ، وركعتا الفجر . رواه الدارقطني . ولقوله - عليه السلام - من أراد أن يضحي .

                                                                                                                          فعلقه على الإرادة ، . والواجب لا يعلق عليها . وفيه شيء لقوله : من أراد الجمعة فليغتسل . ولم يدل على عدم الوجوب ، ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها ؛ فلم تكن واجبة كالعقيقة . وعنه : واجبة . اختارها أبو بكر [ ص: 298 ] لقوله - عليه السلام - من كان له سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ، وعنه : يجب على الحاضر . وعنه في المقيم : يضحي ، وعنه : وليه إذا كان موسرا . فأخذ منها أبو الخطاب الوجوب ، وليس كذلك ؛ لأن هذا على سبيل التوسعة لا الإيجاب .

                                                                                                                          أصل : المضحي مسلم تام ملكه ، ولو مكاتبا بإذن سيده ، وفيه وجه بمنعه ؛ لأنه تبرع وهو ممنوع منه ، ومن نصفه حر ، إن ملكها بجزئه الحر ، فله أن يضحي مطلقا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت عليه واجبة .

                                                                                                                          ( ولا تجب إلا بالنذر ) كالهدي ، وله الأكل منها ، جزم به جماعة . وظاهر كلام أحمد منعه منه كالهدي المنذور ، والفرق واضح ( وذبحها هي والعقيقة أفضل من الصدقة بثمنها ) لأنه - عليه السلام - والخلفاء بعده واظبوا عليها ، وعدلوا عن الصدقة بثمنها ، وهم لا يواظبون إلا على الأفضل ، وهي عن ميت أفضل ، ويعمل بها كأضحية الحي .

                                                                                                                          ( والسنة أن يأكل ثلثها ، ويهدي ثلثها ، ويتصدق بثلثها ) ، نص عليه ، لقول ابن عمر : الهدايا والضحايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين ، وهو قول ابن مسعود ، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة لقوله تعالى : فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [ الحج : 36 ] فالقانع : السائل ، والمعتر : الذي يعتر بك أي : يتعرض لك لتطعمه ولا يسأل ، وقال إبراهيم وقتادة : القانع : الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ، ولا يسأل ، والمعتر : السائل . وفاقا لأبي حنيفة . فيقسم أثلاثا ، وأوجبه أبو بكر . والمشروع أن يأكل الثلث ، ولو قيل بوجوبها وأن يهدي الثلث ، ولو لكافر إن كانت تطوعا ، وأن يتصدق بثلثها ما لم يكن ليتيم ومكاتب . ( فإن أكل [ ص: 299 ] أكثر جاز ) حتى لو لم يبق منها إلا أوقية ؛ لأن الأمر بالأكل والإطعام مطلق ، فيخرج عن العهدة بصدقة الأقل ( وإن أكلها كلها ، ضمن أقل ما يجزئ من الصدقة منها ) للأمر بالإطعام منها . فعلى هذا يضمنه بمثله لحما ، وهو الأوقية ، وقيل : العادة ، وقيل : الثلث ، وحكاه أبو الخطاب منصوص أحمد ، ويتوجه : لا يكفي التصدق بالجلد والقرن .

                                                                                                                          فرع : يعتبر تمليك الفقير ، فلا يكفي إطعامه ، ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول الأكثر . وتحريمه منسوخ ، نص عليه ، وفي " الفروع " ويتوجه احتمال : لا في مجاعة ؛ لأنه سبب تحريم الادخار .

                                                                                                                          ( ومن أراد أن يضحي ) أو يضحى عنه ( ودخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته ) وظفره ( شيئا ) لما روت أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أراد أن يضحي فدخل العشر ، فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئا حتى يضحي ، وفي لفظ ولا من أظفاره رواهما مسلم . ( وهل ذلك حرام ؛ على وجهين ) أحدهما : يحرم ، وهو ظاهر ما نقله الأثرم ، وقدمه في " الفروع " وجزم به في " الوجيز " وقاله سعيد بن المسيب ، وإسحاق ؛ لأن ظاهر النهي التحريم ، وللتشبه بالمحرم . وفيه نظر ؛ لأنه لا يعتزل النساء ، ولا يترك الطيب واللباس ، والأولى فيه أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار .

                                                                                                                          والثاني : يكره ، وهو قول القاضي وغيره ، وقدمه في " المحرر " لقول [ ص: 300 ] عائشة : كنت أفتل . . . . الخبر ، وكما لو لم يرد أن يضحي ، والأول أولى ، إذ لا حكم للقياس معه ، وحديثنا خاص ، فيقدم ، ولعلها إما أرادت ما يتكرر كاللباس ، وهو قول يتقدم عن الفعل ؛ لاحتمال أن يكون خاصا به . فعلى المذهب إن فعل استغفر الله - تعالى - ولا فدية عليه مطلقا ، ويستحب الحلق بعد الذبح . وظاهره ولو كان له ذبائح . قال أحمد : على ما فعل ابن عمر تعظيما لذلك اليوم ، ولأنه كان ممنوعا قبله ، فاستحب له ذلك كالمحرم ، وعنه : لا ، اختاره الشيخ تقي الدين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية