الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب هل تجب العمرة وجوب الحج ؟

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين : العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الحج جهاد والعمرة تطوع } فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله } أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ثم قال { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت ، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك .

( قال ) ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية { وأتموا الحج والعمرة لله } إذا دخلتم فيهما ، وقال بعض أصحابنا : العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها ( قال ) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها .

( قال الشافعي ) والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة ، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج } وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات ، وفي الحج زيادة عمل على العمرة ، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره ، أخبرنا ابن عيينة [ ص: 145 ] عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله { وأتموا الحج والعمرة لله } ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان .

( قال الشافعي ) وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر منهم ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر ، وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام ، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدي إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال ، لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال .

( قال الشافعي ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك } ( أخبرنا ) مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر ، قال ابن جريج : ولم يحدثني عبد الله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت : له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضي العمرة عنه ، قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض ، ويجيب عما يسأل عنه ويستغني أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضي عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت ؟ قيل روى عنه طلحة { أنه سئل عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة . وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام وغير هذا ما يشبه هذا } ، والله أعلم .

فإن قال قائل : ما وجه هذا ؟ قيل له : ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكتفى بعلم السائل أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل ويؤدى في غيره

التالي السابق


الخدمات العلمية