الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في زكاة العسل

                                                                                                          629 حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العسل في كل عشرة أزق زق وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة المتعي وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى حديث ابن عمر في إسناده مقال ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ وقد خولف صدقة بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن نافع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري ) هو الحافظ الذهلي أحد الأعلام الكبار ، له [ ص: 217 ] رحلة واسعة ونقد ، وروى عنه البخاري ويدلسه ، وروى عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وهو الذي جمع حديث الزهري في مجلدين . قال الذهلي : أنفقت على العلم مائة وخمسين ألفا . قال الحافظ في التقريب : ثقة حافظ جليل ، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين وله ست وثمانون سنة ( أخبرنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ) بكسر مثناة فوق ، وقيل بفتحها وكسر نون مشددة تحت ، وسين مهملة ، قال في التقريب : صدوق له أوهام من كبار العاشرة ( عن صدقة بن عبد الله ) السمين الدمشقي ، ضعيف من السابعة .

                                                                                                          قوله : ( في كل عشرة أزق ) بفتح الهمزة وضم الزاي وتشديد القاف أفعل جمع قلة ( زق ) بكسر الزاي مفرد الأزق وهو ظرف من جلد يجعل فيه السمن والعسل .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة المتعي وعبد الله بن عمرو ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه عبد الرزاق عنه قال : كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر ، وفي إسناده عبد الله بن محرر قال البخاري في تاريخه : عبد الله متروك ولا يصح في زكاة العسل شيء ، كذا في فتح الباري .

                                                                                                          وأما حديث أبي سيارة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه عنه قال : قلت : يا رسول الله ، إن لي نخلا ، قال : " فأد العشور " الحديث ، وهو منقطع ، قال ابن عبد البر : لا يقوم بهذا حجة . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعشور نحل له ، وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له ، فلما ولي عمر كتب إلى عامله : إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه ، وإلا فلا .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح بعد ذكره : إسناده صحيح إلى عمرو ، وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض ، وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا ، فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار عن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة ، إلا إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعسل فقال " ما هذا؟ " قال : صدقة ، فأمر برفعها ولم يذكر العشور ، لكن الإسناد الأول أقوى ، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى . كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          [ ص: 218 ] قوله : ( في إسناده مقال ) لأنه قد تفرد به صدقة بن عبد الله ، وهو ضعيف كما تقدم .

                                                                                                          قوله : ( ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء ) وقال البخاري في تاريخه : لا يصح في زكاة العسل شيء .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : ليس في العسل شيء ) ، وقال ابن المنذر : ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة ، وهو قول الجمهور ، وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق : يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج . قال الحافظ في الفتح ـ بعد نقل قول ابن المنذر هذا ـ : وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي ، ثم ذكر الحافظ قول الترمذي هذا ، ثم قال : وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          وقال الشوكاني في النيل : وذهب الشافعي ومالك والثوري وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في العسل قال : واعلم أن حديث أبي سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لأنهما تطوعا بها وحمي لهما بدل ما أخذ ، وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك ، ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك ، وبقية الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية