الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون

                                                                                                                                                                                                                                      176 - ولو شئنا لرفعناه إلى منازل الأبرار من العلماء، بها بتلك الآيات ولكنه أخلد إلى الأرض مال إلى الدنيا، ورغب فيها واتبع هواه في إيثار الدنيا ولذاتها على الآخرة ونعيمها فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه أي: تزجره، وتطرده. يلهث أو تتركه غير مطرود يلهث والمعنى: فصفته التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها، وهي حال دوام اللهث به، سواء حمل عليه، أي: شد عليه، وهيج، فطرد، أو ترك غير متعرض له بالحمل عليه، وذلك أن سائر الحيوان لا يكون منه اللهث إلا إذا حرك، أما الكلب فيلهث في الحالين، فكان مقتضى الكلام أن يقال: ولكنه أخلد إلى الأرض فحططناه، ووضعنا منزلته، فوضع هذا التمثيل موضع فحططناه أبلغ حط، ومحل الجملة الشرطية: النصب على الحال، كأنه قيل: كمثل الكلب ذليلا دائم الذلة لاهثا في الحالين، وقيل: لما دعا بلعم على موسى خرج لسانه، فوقع على صدره، وجعل يلهث كما يلهث الكلب، وقيل: معناه: هو ضال، وعظ أو ترك. وعن عطاء: من علم ولم يعمل فهو كالكلب ينبح إن طرد، أو ترك. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود بعد أن قرءوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، وذكر القرآن المعجز وما فيه، وبشروا الناس باقتراب مبعثه فاقصص القصص أي: قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم لعلهم يتفكرون فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 619 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية