الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة العين وقاعدة كل اثنين من الجسد فيهما دية واحدة كالأذنين ونحوهما ) . أنه إذا ذهب سمع أحد أذنيه بضربة رجل ثم أذهب سمع الأخرى فعليه نصف الدية وفي عين الأعور الدية كاملة ووافقنا أحمد بن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة نصف الدية . لنا وجوه ( الأول ) أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا . ( الثاني ) أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية ؛ لأن مجراها في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح ولذلك أن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ، ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدم من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة .

احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام { في العين خمسون من الإبل } الثاني قوله عليه السلام { في العينين الدية } وهو يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع عينين وهذا لم يقلع عينين . الثالث أن ما ضمن بنصف الدية ، ومعه [ ص: 192 ] نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد . الرابع أنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية ؛ لأنه لم يذهب نصف المنفعة ، والجواب عن الأول والثاني أنه محمول على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة وعن الثالث الفرق بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ، ولو انتقل التزمناه وعن الرابع لا يلزم إطراح الأول إذ لو جنى عليهما فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءها فإنه يجب عليه العقل لما نقص ، ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا ، وهذا السوال قوي علينا ، وكان يلزمنا أن نقلع بعينيه عينين اثنين من الجاني .

( تفريع ) قال ابن أبي زيد في النوادر فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه ، وقال أشهب : يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين ، وإلا فكاليد ، وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية ؛ لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية ؛ لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية أحدهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية ؛ لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية ؛ لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة [ ص: 193 ] باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم : ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة العينين وقاعدة كل اثنين من الجسد كالأذنين ونحوهما ) من حيث إن في عين الأعور الدية كاملة عندنا وعند أحمد بن حنبل وإن أخذ في الأولى نصف الدية ، وأما إذا أذهب رجل بضربة سمع الأذن الأخرى ممن لم يسمع بأحد أذنيه مثلا فإنه لا يجب عليه إلا نصف الدية ، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا فرق بين عين الأعور ونحو أذن من لم يسمع بأحد أذنيه في أنه لا يجب في كل منهما إلا نصف الدية .

لنا أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا ، ووجه الفرق أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراهما في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح ؛ ولذلك فإن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ، ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت ، وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدر من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة ، وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام { في العين خمسون من الإبل } وبقوله عليه السلام { في العينين الدية } فجوابه حمل الحديثين على العين غير العوراء ؛ لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة ، وأما احتجاجهم بأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد فجوابه الفرق المتقدم بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ، ولو انتقلت القوة فيهما أيضا التزمناه ، وأما احتجاجهم بأنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية ؛ لأنه لم يذهب نصف المنفعة فجوابه أنه لا يلزم اطراح الأول إذ لو جنى عليها فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءهما فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا ، وهذا السؤال قوي علينا وكان يلزمنا أن نقلع بعين الأعور عينين اثنين من الجاني .

( تفريع ) قال ابن أبي زيد في النوادر : فيها أي في عين الأعور ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه ، وقال أشهب : يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وإلا فكاليد وإن أصيب من كل نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية ؛ لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية ؛ لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية إحداهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية ؛ لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية ؛ لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب ، وقال ابن القاسم : ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية ا هـ .




الخدمات العلمية