الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          119 - مسألة : والشرائع لا تلزم إلا بالاحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة أو بإنزال الماء الذي يكون منه الولد ، وإن لم يكن احتلام ، أو بتمام تسعة عشر عاما ، كل ذلك للرجل والمرأة أو بالحيض للمرأة . برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان - هو الأعمش - عن أبي ظبيان عن عبد الله بن عباس ، أن علي بن أبي طالب قال لعمر بن الخطاب : أوما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث ; عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم } والصبي لفظ يعم الصنف كله الذكر والأنثى في اللغة التي بها خوطبنا . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن روح [ ص: 103 ] ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال { لما كان يوم قريظة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنبت ضرب عنقه ، فكنت فيمن لم ينبت فعرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى عني } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لا معنى لمن فرق بين أحكام الإنبات ، فأباح سفك الدم به في الأسارى خاصة ، جعله هنالك بلوغا ، ولم يجعله بلوغا في غير ذلك ; لأن من المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحل دم من لم يبلغ مبلغ الرجال ، ويخرج عن الصبيان الذين قد صح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم . ومن الممتنع المحال أن يكون إنسان واحد رجلا بالغا غير رجل ولا بالغ معا في وقت واحد .

                                                                                                                                                                                          وأما ظهور الماء في اليقظة الذي يكون منه الحمل فيصير به الذكر أبا والأنثى أما فبلوغ لا خلاف فيه من أحد . وأما استكمال التسعة عشر عاما فإجماع متيقن ، وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد المدينة وفيها صبيان وشبان وكهول ، فألزم الأحكام من خرج عن الصبا إلى الرجولة ، ولم يلزمها الصبيان ، ولم يكشف أحدا من كل من حواليه من الرجال : هل احتلمت يا فلان ؟ وهل أشعرت ؟ وهل أنزلت ؟ وهل حضت يا فلانة ؟ هذا أمر متيقن لا شك فيه ، فصح يقينا أن ههنا سنا إذا بلغها الرجل أو المرأة فهما ممن ينزل أو ينبت أو يحيض ، إلا أن يكون فيهما آفة تمنع من ذلك ، كما بالأطلس آفة منعته من اللحية ، لولاها لكان من أهل اللحى بلا شك ، هذا أمر يعرف بما ذكرنا من التوقف وبضرورة الطبيعة الجارية في جميع أهل الأرض ، ولا شك في أن من أكمل تسع عشرة سنة ودخل في عشرين سنة فقد فارق الصبا ولحق بالرجال - لا يختلف اثنان من أهل كل ملة وبلدة في ذلك - وإن كانت به آفة منعته من إنزال المني في نوم أو يقظة ، ومن إنبات الشعر ومن الحيض . وأما الحيض فحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا محمد بن الجارود القطان ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن زيد [ ص: 104 ] ثنا قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } فأخبر عليه السلام أن الحائض تلزمها الأحكام وأن صلاتها تقبل على صفة ما ولا تقبل على غيرها . وقال الشافعي : من استكمل خمس عشرة سنة فهو بالغ ، واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرض عليه يوم الخندق هو ورافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فأجازهما قال علي : وهذا لا [ ص: 105 ] حجة له فيه لوجهين : أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إني أجزتهما من أجل أنهما ابنا خمس عشرة سنة ، فإذ ذلك كذلك فلا يجوز لأحد أن يضيف إليه عليه السلام ما لم يخبر به عن نفسه ، وقد يمكن أن يجيزهما يوم الخندق ، لأنه كان يوم حصار في المدينة نفسها ، ينتفع فيه بالصبيان في رمي الحجارة وغير ذلك ، ولم يجزه يوم أحد لأنه كان يوم قتال بعدوا فيه عن المدينة فلا يحضره إلا أهل القوة والجلد . والوجه الثاني أنه ليس في هذا الخبر أنهما في تلك الساعة أكملا معا خمسة عشر عاما لا بنص ولا بدليل كما قال الشافعي ، ولا خلاف في أنه يقال في اللغة لمن بقي عليه من ستة عشر عاما الشهر والشهران : هذا ابن خمسة عشر عاما ، فبطل التعلق بهذا الخبر جملة . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية