الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [111 ] وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين

                                                                                                                                                                                                                                      " وقالوا" أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى "لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" نشر لما لفته الواو في "وقالوا"، واليهود جمع هائد ، كعوذ جمع عائذ . وقرئ "إلا من كان يهوديا أو نصرانيا" . "تلك أمانيهم" جملة معترضة مبينة لبطلان ما قالوا . والأماني جمع أمنية وهي ما يتمنى . كالأعجوبة والأضحوكة. فإن قيل : قولهم "لن يدخل الجنة" أمنية واحدة ، فلم قال : أمانيهم ؟ أجيب : بأن الجمع باعتبار صدوره عن الجميع . وأجاب صاحب الانتصاف بأنهم لشدة تمنيهم لهذه الأمنية ومعاودتهم لها وتأكدها في نفوسهم ، جمعت . ليفيد جمعها أنها متأكدة في قلوبهم ، بالغة منهم كل مبلغ، والجمع يفيد ذلك ، وإن كان مؤداه واحدا . ونظيره قولهم : معى جياع . فجمعوا الصفة ، ومؤداها [ ص: 224 ] واحد ; لأن موصوفها واحد ، تأكيدا لثبوتها وتمكنها .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المعنى أحد ما روي في قوله تعالى : إن هؤلاء لشرذمة قليلون فإنه جمع (قليلا) ، وقد كان الأصل إفراده فيقال (لشرذمة قليلة) كقوله تعالى : كم من فئة قليلة لولا ما قصد إليه من تأكيد معنى القلة بجمعها . ووجه إفادة الجمع في مثل هذا للتأكيد ، أن الجمع يفيد بوضعه الزيادة في الآحاد ، فنقل إلى تأكيد الواحد ، وإبانة زيادته على نظرائه ، نقلا مجازيا بديعا . فتدبر هذا الفصل فإنه من نفائس صناعة البيان . والله الموفق : قل هاتوا برهانكم حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة "إن كنتم صادقين" في دعواكم . قال الرازي : دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا أو إثباتا، فلا بد له من الدليل والبرهان ، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      من ادعى شيئا بلا شاهد لا بد أن تبطل دعواه



                                                                                                                                                                                                                                      انتهى كلام الرازي . وسبقه إلى ذلك الزمخشري حيث قال : وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ، وإن كل قول لا دليل عليه ، فهو باطل غير ثابت . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية