الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1102 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          والانتباذ في الحنتم ، والنقير ، والمزفت ، والمقير ، والدباء ، والجرار البيض ، والسود ، والحمر ، والخضر ، والصفر ، والموشاة ، وغير المدهونة ، والأسقية ، وكل ظرف حلال ، إلا إناء ذهب أو فضة أو إناء أهل الكتاب ، أو جلد ميتة غير مدبوغ ، أو إناء مأخوذا بغير حق .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني أبو بكر بن علي هو المقدمي - نا إبراهيم بن الحجاج نا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن عبيد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيما بدا لكم ، وإياكم وكل مسكر } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن معروف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم بن الحجاج نا الحجاج بن الشاعر نا الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبي بريدة عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { نهيتكم عن الظروف وإن الظروف ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الظروف فقالت الأنصار : إنه لا بد لنا منها . قال : فلا إذا } .

                                                                                                                                                                                          فصح أن إباحة ما نهى عنه من الظروف ناسخة للنهي ، وقد كان عليه السلام نهى عنها ، فقد صح عن طريق ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن الانتباذ والشرب في الحنتم ، والمقير ، والدباء ، والمزادة المجبوبة ، وكل شيء صنع من مدر ، والجر } . [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                                          وصح من طريق أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن ذلك كله إلا أنه لم يذكر { كل شيء صنع من مدر } . وصح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن ذلك كله إلا أنه لم يذكر المزادة المجبوبة وذكر الجر .

                                                                                                                                                                                          وصح من طريق أبي سعيد الخدري ، وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه { نهى عن المزفت ، والحنتم ، والنقير ، والجر } .

                                                                                                                                                                                          وصح عن عائشة أم المؤمنين ، وعلي بن أبي طالب ، وأنس ، وعبد الرحمن بن يعمر كلهم { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن الدباء والمزفت } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عائشة أيضا مسندا عن الجر . وعن صفية أم المؤمنين : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر } .

                                                                                                                                                                                          وصح من طريق عبد الله بن أبي أوفى { عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن الجر الأخضر والأبيض } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن الزبير { أنه عليه السلام : نهى عن الجر } . فهؤلاء أحد عشر من الصحابة رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي ، ورواه عنهم أعداد كثيرة من التابعين ، وهذا نقل تواتر ولم يأت النسخ إلا من طريق ابن بريدة عن أبيه . ومن طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر فقط - وقد ثبت على تحريم ما صح النهي عنه من ذلك : عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن عمر ، وأبو سعيد الخدري .

                                                                                                                                                                                          واختلف فيه عن ابن مسعود ، وعن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                          واختلف التابعون أيضا . وعهدنا بالحنفيين يقولون : إنه إذا جاء خبران أحدهما نقل تواتر ، والآخر نقل آحاد : أخذنا بالتواتر ، وتناقضوا ههنا .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : أكره أن ينبذ في الدباء ، والمزفت فقط ، وأباح الجر كله غير [ ص: 225 ] المزفت ، والحنتم ، والمقير - وهذا فاسد جدا ; لأنه قول بلا برهان ولا نعلم أحدا قبله قسم هذا التقسيم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد ذكرنا : فيما يحل أكله ويحرم تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الأكل .

                                                                                                                                                                                          والشرب في إناء الذهب أو الفضة أو إناء أهل الكتاب إلا أن لا يوجد غيره فيغسل بالماء ويحل ذلك فيه حينئذ ، والبرهان على تحريم استعمال الإناء المأخوذ بغير حق وذكرنا في " كتاب الطهارة " تحريم جلد الميتة قبل أن يدبغ ، فبقي كل هذا على التحريم لصحة البرهان بأن كل ذلك لم ينسخ مذ حرم - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية