nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون أم منقطعة لإفادة الإضراب عن غرض من الكلام للانتقال إلى غرض آخر . والكلام بعد أم المنقطعة له حكم الاستفهام دائما ، فقوله : حسبتم في قوة ( أحسبتم ) والاستفهام المقدر إنكاري .
والخطاب للمسلمين ، على تفاوت مراتبهم في مدة إسلامهم ، فشمل المنافقين لأنهم أظهروا الإسلام .
[ ص: 138 ] وحسبتم ظننتم . ومصدر حسب ، بمعنى ظن الحسبان بكسر الحاء فأما مصدر حسب بمعنى أحصى العدد فهو بضم الحاء .
والترك افتقاد الشيء وتعهده ، أي : أن يترككم الله ، فحذف فاعل الترك لظهوره . ولا بد لفعل الترك من تعليقه بمتعلق : من حال أو مجرور ، يدل على الحالة التي يفارق فيها التارك متروكه ، كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون . ومثل قول
عنترة :
فتركته جزر السباع ينشنه
وقول
كبشة بنت معد يكرب ، على لسان شقيقها
عبد الله حين قتلته
بنو مازن بن زبيد في بلد
صعدة من بلاد
اليمن :
وأترك في بيت بصعدة مظلم
وحذف متعلق تتركوا في الآية : لدلالة السياق عليه ، أي أن تتركوا دون جهاد ، أي أن تتركوا في دعة بعد فتح
مكة .
والمعنى : كيف تحسبون أن تتركوا ، أي : لا تحسبوا أن تتركوا دون جهاد لأعداء الله ورسوله .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم إلخ في موضع الحال من ضمير تتركوا أي لا تظنوا أن تتركوا في حال عدم تعلق علم الله بوقوع ابتدار المجاهدين للجهاد ، وحصول تثاقل من تثاقلوا ، وحصول ترك الجهاد من التاركين .
و لما حرف للنفي ، وهي أخت لم . وقد تقدم بيانها والفرق بينها وبين لم عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم وقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين في سورة آل عمران .
ومعنى علم الله بالذين جاهدوا : علمه بوقوع ذلك منهم وحصول امتثالهم ، وهو من تعلق العلم الإلهي بالأمور الواقعة ، وهو أخص من علمه - تعالى - الأزلي بأن الشيء يقع أو لا يقع ، ويجدر أن يوصف بالتعلق التنجيزي وقد تقدم شيء من ذلك عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم في سورة آل عمران .
[ ص: 139 ] و ( الوليجة ) فعيلة بمعنى مفعولة ، أي الدخيلة ، وهي الفعلة التي يخفيها فاعلها ، فكأنه يولجها ، أي يدخلها في مكمن بحيث لا تظهر ، والمراد بها هنا : ما يشمل الخديعة وإغراء العدو بالمسلمين ، وما يشمل اتخاذ أولياء من أعداء الإسلام يخلص إليهم ويفضي إليهم بسر المسلمين ; لأن تنكير وليجة في سياق النفي يعم سائر أفرادها .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16من دون الله متعلق بـ وليجة في موضع الحال المبينة .
و من ابتدائية ، أي وليجة كائنة في حالة تشبيه المكان الذي هو مبدأ للبعد من الله ورسوله والمؤمنين .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16والله خبير بما تعملون تذييل لإنكار ذلك الحسبان ، أي : لا تحسبوا ذلك مع علمكم بأن الله خبير بكل ما تعملونه .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ لِإِفَادَةِ الْإِضْرَابِ عَنْ غَرَضٍ مِنَ الْكَلَامِ لِلِانْتِقَالِ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ . وَالْكَلَامُ بَعْدَ أَمِ الْمُنْقَطِعَةِ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِفْهَامِ دَائِمًا ، فَقَوْلُهُ : حَسِبْتُمْ فِي قُوَّةِ ( أَحَسِبْتُمْ ) وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ إِنْكَارِيٌّ .
وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ ، عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ فِي مُدَّةِ إِسْلَامِهِمْ ، فَشَمِلَ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ .
[ ص: 138 ] وَحَسِبْتُمْ ظَنَنْتُمْ . وَمَصْدَرُ حَسِبَ ، بِمَعْنَى ظَنَّ الْحِسْبَانُ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَأَمَّا مَصْدَرُ حَسِبَ بِمَعْنَى أَحْصَى الْعَدَدَ فَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ .
وَالتَّرْكُ افْتِقَادُ الشَّيْءِ وَتَعَهُّدُهُ ، أَيْ : أَنْ يَتْرُكَكُمُ اللَّهُ ، فَحُذِفَ فَاعِلُ التَّرْكِ لِظُهُورِهِ . وَلَا بُدَّ لِفِعْلِ التَّرْكِ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِمُتَعَلِّقٍ : مِنْ حَالٍ أَوْ مَجْرُورٍ ، يَدُلُّ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يُفَارِقُ فِيهَا التَّارِكُ مَتْرُوكَهُ ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَمِثْلِ قَوْلِ
عَنْتَرَةَ :
فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ
وَقَوْلِ
كَبْشَةَ بِنْتِ مَعْدِ يكَرِبَ ، عَلَى لِسَانِ شَقِيقِهَا
عَبْدِ اللَّهِ حِينَ قَتَلَتْهُ
بَنُو مَازِنِ بْنِ زُبَيْدٍ فِي بَلَدِ
صَعْدَةَ مِنْ بِلَادِ
الْيَمَنِ :
وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِصَعْدَةِ مُظْلِمِ
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ تُتْرَكُوا فِي الْآيَةِ : لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ ، أَيْ أَنْ تُتْرَكُوا دُونَ جِهَادٍ ، أَيْ أَنْ تُتْرَكُوا فِي دَعَةٍ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ .
وَالْمَعْنَى : كَيْفَ تَحْسَبُونَ أَنْ تُتْرَكُوا ، أَيْ : لَا تَحْسَبُوا أَنْ تُتْرَكُوا دُونَ جِهَادٍ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ إِلَخْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُتْرَكُوا أَيْ لَا تَظُنُّوا أَنْ تُتْرَكُوا فِي حَالِ عَدَمِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِوُقُوعِ ابْتِدَارِ الْمُجَاهِدِينَ لِلْجِهَادِ ، وَحُصُولِ تَثَاقُلِ مَنْ تَثَاقَلُوا ، وَحُصُولِ تَرْكِ الْجِهَادِ مِنَ التَّارِكِينَ .
وَ لَمَّا حَرْفٌ لِلنَّفْيِ ، وَهِيَ أُخْتُ لَمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَمْ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَمَعْنَى عِلْمِ اللَّهِ بِالَّذِينَ جَاهَدُوا : عِلْمُهُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَحُصُولِ امْتِثَالِهِمْ ، وَهُوَ مِنْ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِالْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ عِلْمِهِ - تَعَالَى - الْأَزَلِيِّ بِأَنَّ الشَّيْءَ يَقَعُ أَوْ لَا يَقَعُ ، وَيَجْدُرُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
[ ص: 139 ] وَ ( الْوَلِيجَةُ ) فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ ، أَيِ الدَّخِيلَةُ ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ الَّتِي يُخْفِيهَا فَاعِلُهَا ، فَكَأَنَّهُ يُولِجُهَا ، أَيْ يُدْخِلُهَا فِي مَكْمَنٍ بِحَيْثُ لَا تَظْهَرُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا : مَا يَشْمَلُ الْخَدِيعَةَ وَإِغْرَاءَ الْعَدُوِّ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَمَا يَشْمَلُ اتِّخَاذَ أَوْلِيَاءَ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ يُخْلِصُ إِلَيْهِمْ وَيُفْضِي إِلَيْهِمْ بِسِرِّ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ تَنْكِيرَ وَلِيجَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَعُمُّ سَائِرَ أَفْرَادِهَا .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16مِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ وَلِيجَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ الْمُبَيِّنَةِ .
وَ مِنِ ابْتِدَائِيَّةٌ ، أَيْ وَلِيجَةً كَائِنَةً فِي حَالَةِ تَشْبِيهِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأٌ لِلْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تَذْيِيلٌ لِإِنْكَارِ ذَلِكَ الْحُسْبَانِ ، أَيْ : لَا تَحْسَبُوا ذَلِكَ مَعَ عِلْمِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِكُلِّ مَا تَعْمَلُونَهُ .