الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ومنها : أنه إذا لاعنها وهي حامل وانتفى من حملها انتفى عنه ، ولم يحتج إلى أن يلاعن بعد وضعه ، كما دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ، وهذا موضع اختلف فيه . فقال أبو حنيفة رحمه الله : لا يلاعن لنفيه حتى تضع ، لاحتمال أن يكون ريحا فتنفش ولا يكون للعان حينئذ معنى ، وهذا هو الذي ذكره الخرقي في " مختصره " فقال : وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف عنه حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن ، وتبعه الأصحاب على ذلك ، وخالفهم أبو محمد المقدسي كما يأتي كلامه .

وقال جمهور أهل العلم : له أن يلاعن في حال الحمل اعتمادا على قصة هلال بن أمية ، فإنها صريحة صحيحة في اللعان حال الحمل ونفي الولد في تلك الحال ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن جاءت به على صفة كذا وكذا فلا أراه إلا قد صدق عليها . . . ) الحديث . قال الشيخ في " المغني " : وقال مالك والشافعي وجماعة من أهل الحجاز : يصح نفي الحمل وينتفي عنه ، محتجين بحديث هلال ، وأنه نفى حملها ، فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بالأم ، ولا خفاء أنه كان حملا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( انظروها فإن جاءت به كذا وكذا ) قال : ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ، ولهذا تثبت للحامل أحكام تخالف فيها الحائل ، من النفقة والفطر في الصيام ، وترك إقامة الحد عليها ، وتأخير القصاص عنها ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، ويصح استلحاق الحمل فكان كالولد بعد وضعه . قال : وهذا القول هو الصحيح ؛ لموافقته ظواهر الأحاديث ، وما خالف الحديث لا يعبأ به كائنا ما كان ، وقال أبو بكر : ينتفي الولد بزوال الفراش ، ولا يحتاج إلى [ ص: 347 ] ذكره في اللعان احتجاجا بظاهر الأحاديث ، حيث لم ينقل نفي الحمل ولا تعرض لنفيه .

وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يصح نفي الحمل ، واللعان عليه ، فإن لاعنها حاملا ثم أتت بالولد لزمه عنده ولم يتمكن من نفيه أصلا ؛ لأن اللعان لا يكون إلا بين الزوجين ، وهذه قد بانت بلعانها في حال حملها .

قال المنازعون له : هذا فيه إلزامه ولدا ليس منه ، وسد باب الانتفاء من أولاد الزنى . والله سبحانه قد جعل له إلى ذلك طريقا ، فلا يجوز سدها ، قالوا : وإنما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف الزنى إليها فيها ؛ لأن الولد الذي تأتي به يلحقه إذا لم ينفه ، فيحتاج إلى نفيه ، وهذه كانت زوجته في تلك الحال فملك نفي ولدها . وقال أبو يوسف ومحمد : له أن ينفي الحمل ما بين الولادة إلى تمام أربعين ليلة منها . وقال عبد الملك بن الماجشون : لا يلاعن لنفي الحمل إلا أن ينفيه ثانية بعد الولادة . وقال الشافعي : إذا علم بالحمل فأمكنه الحاكم من اللعان فلم يلاعن لم يكن له أن ينفيه بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية