الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولئن سألتهم في سبب نزولها ستة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن جد بن قيس ، ووديعة بن خذام ، والجهير بن خمير ، كانوا يسيرون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك ، فجعل رجلان منهم يستهزآن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثالث يضحك مما يقولان ولا يتكلم بشيء ، فنزل جبريل فأخبره بما يستهزؤون به ويضحكون; فقال لعمار بن ياسر "اذهب" فسلهم عما كانوا يضحكون منه ، وقل لهم: أحرقكم الله" فلما سألهم ، وقال: أحرقكم الله; علموا أنه قد نزل فيهم قرآن فاقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الجهير: والله ما تكلمت بشيء ، وإنما ضحكت تعجبا من قولهم; فنزل قوله: لا تعتذروا يعني جد بن قيس ، ووديعة إن نعف عن طائفة منكم يعني الجهير نعذب طائفة يعني الجد ووديعة ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن رجلا من المنافقين قال: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ، ولا أرغب بطونا ، ولا أكذب ، ولا أجبن عند اللقاء; يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال له عوف بن مالك: كذبت ، لكنك منافق ، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم; [ ص: 465 ] فذهب ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه; فجاء ذلك الرجل ، فقال: يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، هذا قول ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، والقرظي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن قوما من المنافقين كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: إن كان ما يقول هذا حقا ، لنحن شر من الحمير; فأعلم الله نبيه ما قالوا ، ونزلت ولئن سألتهم قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أن رجلا من المنافقين قال: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا; وما يدريه ما الغيب؟ فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن ناسا من المنافقين قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ، هيهات; فأطلع الله نبيه على ذلك ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "احبسوا علي الركب" فأتاهم ، "فقال قلتم كذا وكذا" فقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب; فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس: أن عبد الله بن أبي ، ورهطا معه ، كانوا يقولون في رسول الله وأصحابه ما لا ينبغي ، فإذا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال الله تعالى: قل لهم أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، قاله الضحاك . فقوله: ولئن سألتهم أي: عما كانوا فيه من الاستهزاء ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب أي: نلهو بالحديث . وقوله: قد كفرتم أي: قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان; وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ( إن يعف عن طائفة منكم ) قرأ الأكثرون "إن يعف" [ ص: 466 ] بالياء ، "تعذب" بالتاء وقرأ عاصم غير أبان "إن نعف" ، "نعذب" .

                                                                                                                                                                                                                                      بالنون فيهما ونصب "طائفة" ، والمعنى: إن نعف عن طائفة منكم بالتوفيق للتوبة ، نعذب طائفة بترك التوبة وقيل: الطائفتان هاهنا ثلاثة; فاستهزأ اثنان ، وضحك واحد . ثم أنكر عليهم بعض ما سمع . وقد ذكرنا عن ابن عباس أسماء الثلاثة ، وأن الضاحك اسمه الجهير ، وقال غيره: هو مخشي بن خمير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس ومجاهد: الطائفة: الواحد فما فوقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : أصل الطائفة في اللغة: الجماعة; ويجوز أن يقال للواحد: طائفة ، يراد به: نفس طائفة . قال ابن الأنباري: إذا أريد بالطائفة الواحد ، كان أصلها طائفا ، على مثال: قائم وقاعد ، فتدخل الهاء للمبالغة في الوصف ، كما يقال: رواية ، علامة ، نسابة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما فرغ من تنزيل (براءة) حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا ينزل فيه شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية