الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا يجاهد من عليه دين لا وفاء له ، ولا من أحد أبويه مسلم إلا بإذن غريمه وأبيه ، إلا أن يتعين عليه الجهاد ، فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يجاهد من عليه دين ) لآدمي لا وفاء له . وظاهره لا فرق بين الدين الحال والمؤجل ؛ لأن الجهاد يقصد منه الشهادة ، وبها تفوت النفس فيفوت الحق بفواتها ، وفي " الرعاية " وجه : لا يستأذن مع تأجيله ؛ لأنه لا يتوجه إليه الطلب إلا بعد حلوله . وظاهره أنه إذا كان له وفاء ، فله أن يجاهد بغير إذن ، نص عليه ؛ لأن عبد الله بن حرام والد جابر خرج إلى أحد ، وعليه ديون كثيرة فاستشهد ، وقضى عنه ابنه مع علمه صلى الله عليه وسلم من غير نكير ، وفي معناه إقامة الكفيل أو توثقه برهن ، لعدم ضياع حق الغريم بتقدير قتله ( ولا من أحد أبويه مسلم ) في قول أكثر العلماء ، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أجاهد ؛ فقال : لك أبوان ؛ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد ، وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر ، وروى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلا هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لك أبوان ؛ قال : نعم . قال : ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد ، وإلا فبرهما ، ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، والأول مقدم . وظاهره لا تشترط حرية الآذن ، وهو وجه . وظاهر الخرقي ، والمذهب اشتراطه . ولا فرق بين الأب والأم . قال أحمد فيمن له أم : أتظن سرورها ؛ فإذا أذنت من غير أن يكون في قلبها ، وإلا فلا تغز ، وعلم منه أنهما إذا كانا كافرين ، أنه لا اعتبار لإذنهما كالمجنونين ، ولأن أبا بكر وغيره كانوا يجاهدون بدون إذن آبائهم ، ويخرج منه [ ص: 316 ] الجد والجدة ، قاله الأصحاب ، وليس فيه نص صريح إلا في العتبية . وفي " الفروع " : ويتوجه احتمال في الجد لأب ، فلو أذنا له فيه ، وشرطا عليه عدم القتال وحضره تعين عليه القتال ، وسقط حكم الشرط ( إلا بإذن غريمه ) كرضاه بإسقاط حقه ، ويتوجه لو استناب من يقضي دينه من مال حاضر . ( وأبيه ) خص الأب وحده فيحتمل أنه لم يذكر الأم اكتفاء بذكر الأب ، ويحتمل اختصاصه به ، وهو كلام الأكثر ( إلا أن يتعين عليه الجهاد ) فإنه يصير فرض عين وتركه معصية ، لكن يستحب للمدين أن لا يتعرض لمظان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة ؛ لأن فيه تغريرا بفوات الحق ، قاله في " الشرح " ( فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة ) لأن الجهاد عبادة متعينة فلم يعتبر إذن أحد ، كفروض الأعيان .

                                                                                                                          وأما السفر لطلب العلم فقال أحمد : يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه ، قيل له : فكل العلم يقوم به دينه ؛ قال : الفرض الذي يجب عليه في نفسه صلاته وصيامه ، ونحو ذلك ، وهذا خاصة يطلبه بلا إذن ، وفي " الرعاية " : من لزمه التعلم ، وقيل : أو كان فرض كفاية ، وقيل : أو نفلا ، ولا يحصل ببلده ، فله السفر لطلبه بلا إذن أبويه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية