الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر اختلاف الفقهاء في الشيخ الفاني قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر : " الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يفطر ويطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة ولا شيء عليه غير ذلك " . وقال الثوري : " يطعم " ولم يذكر مقداره .

وقال المزني عن الشافعي : " يطعم مدا من حنطة كل يوم " . وقال ربيعة ومالك : " ليس عليه الإطعام ، وإن فعل فحسن " .

قال أبو بكر : قد ذكرنا في تأويل الآية ما روي عن ابن عباس في قراءته : " وعلى الذين يطوقونه " وأنه الشيخ الكبير ، فلولا أن الآية محتملة لذلك لما تأولها ابن عباس ومن ذكر ذلك عنه عليه ، فوجب استعمال حكمها من إيجاب الفدية في الشيخ الكبير . وقد روي عن علي أيضا أنه تأول قوله : وعلى الذين يطيقونه على الشيخ الكبير .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : من مات وعليه صوم فليطعم عنه وليه مكان كل يوم مسكينا وإذا ثبت ذلك في الميت الذي عليه الصيام فالشيخ أولى بذلك من الميت لعجز الجميع عن الصوم .

فإن قيل : هلا كان الشيخ كالمريض الذي يفطر في رمضان ثم لا يبرأ حتى يموت ولا يلزمه القضاء ؟ قيل له : لأن المريض مخاطب بقضائه في أيام أخر فإنما تعلق الفرض عليه في أيام القضاء ، لقوله : فعدة من أيام أخر فمتى لم يلحق العدة لم يلزمه شيء ، كمن لم يلحق رمضان وأما الشيخ فلا يرجى له القضاء في أيام أخر فإنما تعلق عليه حمل الفرض في إيجاب الفدية في الحال ، فاختلفا من أجل ذلك .

وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم ، فصار ذلك إجماعا لا يسع خلافه . وأما الوجه في إيجاب الفدية نصف صاع من بر فهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا أخو خطاف قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد المستملي قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وعليه رمضان فلم يقضه فليطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع لمسكين .

وإذا ثبت ذلك في المفطر في رمضان إذا مات ثبت في الشيخ الكبير من وجوه :

أحدها : أنه عموم في الشيخ الكبير وغيره ؛ لأن الشيخ الكبير قد تعلق عليه حكم التكليف على ما وصفنا ، فجائز بعد موته أن يقال إنه قد مات وعليه صيام رمضان فقد تناوله عموم اللفظ . ومن جهة [ ص: 222 ] أخرى : أنه قد ثبت أن المراد بالفدية المذكورة في الآية هذا المقدار ، وقد أريد بها الشيخ الكبير ، فوجب أن يكون ذلك هو المقدار الواجب عليه .

ومن جهة أخرى : أنه إذا ثبت ذلك فيمن مات وعليه قضاء رمضان وجب أن يكون ذلك مقدار فدية الشيخ الكبير ؛ لأن أحدا من موجبي الفدية على الشيخ الكبير لم يفرق بينهما .

وقد روي عن ابن عباس وقيس بن السائب ، الذي كان شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ، وعائشة وأبي هريرة وسعيد بن المسيب في الشيخ الكبير " أنه يطعم عن كل يوم نصف صاع بر " وأوجب النبي صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع بر وهذا يدل على أن تقدير فدية الصوم بنصف صاع أولى منه بالمد لأن التخيير في الأصل قد تعلق بين الصوم والفدية في كل واحد منهما .

وقد روي عن ابن عمر وجماعة من التابعين " عن كل يوم مد " والأول أولى لما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما عضده قول الأكثرين عددا من الصحابة والتابعين ، وما دل عليه من النظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية