الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 398 ] المسألة الثانية : قال علماؤنا : هذه لطيفة من الله سبحانه من بها على الخليقة ; وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم ، ويرتكبون المعاصي ، ويرتكبون المآثم ، فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبدا توبة ، ولا نالتهم مغفرة ; فيسر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة ، وبذل المغفرة بالإسلام ، وهدم جميع ما تقدم ; ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين ، وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام ، وتأليفا على الملة ، وترغيبا في الشريعة ; فإنهم لو علموا أنهم يؤاخذون لما أنابوا ولا أسلموا .

                                                                                                                                                                                                              فقد روى مسلم { أن رجلا كان فيمن كان قبلكم قتل تسعة وتسعين نفسا ، سأل : هل له توبة ؟ فجاء عالما فسأله ، فقال : لا توبة لك ، فقتله وكمل به مائة . ثم جاء عالما آخر فسأله ، فقال : ومن يسد عليك باب التوبة ؟ ائت الأرض المقدسة . فمشى إليها ، فحضره الأجل في الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ; فأوحى الله أن قيسوا إلى أي الأرضين هو أقرب ، أرضه التي خرج منها أم الأرض المقدسة ؟ فألفوه أقرب إلى الأرض المقدسة بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية : فقاسموه فوجدوه قد دنا بصدره . }

                                                                                                                                                                                                              . فانظروا إلى قول العالم له : لا توبة له . فلما علم أنه قد أيأسه قتله ؟ فعل اليائس من الرحمة ; والتنفير مفسدة للخليقة ، والتيسير مصلحة لهم .

                                                                                                                                                                                                              وقد قدمنا عن ابن عباس أنه كان إذا جاء إليه رجل لم يقتل فسأله : هل للقاتل توبة ؟ فيقول له : لا توبة له ; تخويفا وتحذيرا . فإذا جاءه من قتل فسأله : هل لقاتل من توبة ؟ قال له : لك توبة ; تيسيرا وتأليفا .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية