الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي وقال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر

                                                                                                                                                                                                        5900 حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا حتى كملت خمسون ليلة وآذن النبي صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9344 قوله باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ، ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصي ) ؟ أما الحكم الأول فأشار إلى الخلاف فيه وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على الفاسق ولا المبتدع قالالنووي : فإن اضطر إلى السلام بأن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم وكذا قال ابن العربي وزاد وينوي أن السلام اسم من أسماء الله - تعالى - فكأنه قال الله رقيب عليكم .

                                                                                                                                                                                                        وقال المهلب : ترك السلام على أهل المعاصي سنة ماضية وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع وخالف في ذلك جماعة كما تقدم في الباب قبله وقال ابن وهب يجوز ابتداء السلام على كل أحد ولو كان كافرا واحتج بقوله - تعالى - : وقولوا للناس حسنا وتعقب بأن الدليل أعم من الدعوى .

                                                                                                                                                                                                        وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح واللهو وفحش القول والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ونحو ذلك وحكى ابن رشد قال قال مالك : لا يسلم على أهل الأهواء . قال ابن دقيق العيد : ويكون ذلك على سبيل التأديب لهم والتبري منهم .

                                                                                                                                                                                                        وأما الحكم الثاني فاختلف فيه أيضا فقيل يستبرأ حاله سنة وقيل ستة أشهر وقيل خمسين يوما كما في قصةكعب وقيل ليس لذلك حد محدود بل المدار على وجود القرائن الدالة على صدق مدعاه في توبته ولكن لا يكفي ذلك في ساعة ولا يوم ويختلف ذلك باختلاف الجناية والجاني وقد اعترض الداودي على من حده بخمسين ليلة أخذا من قصة كعب فقال لم يحده النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسين وإنما أخر كلامهم إلى أن أذن الله فيه يعني فتكون واقعة حال لا عموم فيها وقال النووي : وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه فلا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام كما قال جماعة من أهل العلم واحتج البخاري لذلك بقصة كعب بن مالك انتهى .

                                                                                                                                                                                                        والتقييد بمن لم يتب جيد لكن في الاستدلال لذلك بقصة كعب نظر فإنه ندم على ما صدر منه وتاب ولكن أخر الكلام معه حتى قبل الله توبته وقضيته أن لا يكلم حتى تقبل توبته ويمكن الجواب بأن الاطلاع على القبول في قصة كعب كان ممكنا وأما بعده فيكفي ظهور علامة الندم والإقلاع وأمارة صدق ذلك

                                                                                                                                                                                                        قوله ( اقترف ) أي اكتسب وهو تفسير الأكثر وقال أبو عبيدة الاقتراف التهمة

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال عبد الله بن عمرو : لا تسلموا على شربة الخمر بفتح الشين المعجمة والراء بعدها موحدة جمع شارب قال ابن التين : لم يجمعه اللغويون كذلك وإنما قالوا شارب وشرب مثل صاحب وصحب انتهى وقد قالوا فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب وهذا الأثر وصله البخاري في " الأدب المفرد " من طريق حبان بن أبي جبلة بفتح الجيم والموحدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ : لا تسلموا على شراب الخمر " وبه إليه قال : لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا ، وأخرج الطبري عن علي موقوفا نحوه .

                                                                                                                                                                                                        وفي بعض النسخ من الصحيح : وقال عبد الله بن عمر " بضم العين وكذا ذكره الإسماعيلي ، وأخرج سعيد بن منصور بسند ضعيف عن ابن عمر : " لا تسلموا على من شرب الخمر ولا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا " وأخرجه ابن عدي بسند أضعف منه عن ابن عمر مرفوعا

                                                                                                                                                                                                        قوله حدثنا ابن بكير ) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ، وذكر قطعا يسيرة من حديث كعب بن مالك في قصة توبته في غزوة تبوك وقد ساقه في المغازي بطوله عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد وقوله " وآتي " هو بمد [ ص: 44 ] الهمزة فعل مضارع من الإتيان وبين قوله " عن كلامنا " وبين هذه الجملة كلام كثير آخره " فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وفي الحديث أيضا قصته مع أبي قتادة وتسوره عليه الحائط وامتناع أبي قتادة من رد السلام عليه ومن جوابه له عما سأله عنه .

                                                                                                                                                                                                        واقتصر البخاري على القدر الذي ذكره لحاجته إليه هنا وفيه ما ترجم به من ترك السلام تأديبا وترك الرد أيضا وهو مما يخص به عموم الأمر بإفشاء السلام عند الجمهور وعكس ذلك أبو أمامة ؛ فأخرج الطبري بسند جيد عنه أنه كان لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه فقيل له ، فقال إنا أمرنا بإفشاء السلام وكأنه لم يطلع على دليل الخصوص .

                                                                                                                                                                                                        واستثنى ابن مسعود ما إذا احتاج لذلك المسلم لضرورة دينية أو دنيوية كقضاء حق المرافقة فأخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال " كنت ردفا لابن مسعود ، فصحبنا دهقان فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها فأتبعه عبد الله بصره فقال السلام عليكم . فقلت ألست تكره أن يبدءوا بالسلام ؟ قال نعم ولكن حق الصحبة . وبه قال الطبري وحمل عليه سلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار وقد تقدم الجواب عنه في الباب الذي قبله




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية