الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الحكم الثاني : الحجر عليه ونفوذ تصرفاته ، أوردها وبه قال ( ش ) ، وابن حنبل ، وقال أبو حنيفة : لا يحجر عليه .

                                                                                                                لنا : أنه - عليه السلام - حجر على معاذ ، وفي الكتاب : ليس له الزواج في المال الذي فلس فيه دون ما أفاده بعده . قال ابن يونس : عن مالك : لو اشترى عبدا فتزوج به ولا مال له يعطيه في الثمن وقد بنى أم لا ، الثمن دين عليه إذا لم يعلم منه خلافه قبل شرائه ، وإن علم منه الخديعة أخذ منه ، واتبعته المرأة بقيمته ، ولو باعه لم يفسخ بيعه .

                                                                                                                وعن مالك : إذا أحاط الدين بماله فتزوج بعبد بعينه ثم فلس ، المرأة إسوة إلا أن يصدقها إياه بعد أن وقف على الفلس ، وعن مالك : إن كان دينه أظله غرمه ، ولزم به فالمرأة أسوة الغرماء فيه ، وإن لم يظله ولم يلزم به فالمرأة أحق به ، ورجع مالك عن هذا .

                                                                                                                قال اللخمي : تصرفاته ثلاثة : جائزة ، وممنوعة ، ومختلف فيها . فالأول : بيعه وشراؤه ، وهبته للثواب ، ونكاحه ، ونحو ذلك مما هو معاوضة ، فإن باع قبل الحجر [ ص: 169 ] بمحاباة ردت المحاباة ، أو بعد الحجر بغير محاباة وقف ، فإن كان نظرا أمضي ، أو فيه بخس رد ، وإن شك فيه الزائد فإن لم يوجد أمضي . وهذا ما لم يقبض الثمن أو قبضه وهو قائم بيده ، فإن أنفقه فلهم الرجوع في السلعة ، إلا أن يرضى المشتري بدفع الثمن مرة أخرى ، فإن اشترى على أن يقضي مما حجر عليه فيه الثمن رد ، إلا أن يكون فيه فضل ويفوت بيعه إلا أن يرضى البائع أن يباع له ولا يدخل مع الغرماء ، فيكون بمنزلة مبايعته بعد قسم ما في يديه .

                                                                                                                والنكاح جائز ، وإنما يختلف في الصداق ، إن كان النكاح قبل الحجر حوصص بالصداق ، أو بعده فلا ، ولكن هو فيما يفيده بعد .

                                                                                                                والمردود العتق والتدبير والتبرعات وقعت قبل الحجر أو بعده ، ووافقنا ( ش ) في القسمين ; لأن الدين مقدم على المعروف ، إلا أن يكون في خدمة المعتق إلى أجل ، وفيما يجوز بيعه من خدمة المدبر ما يوفي العاجز من دينه ، وإن أولد أمته قبل الحجر لم تبع لتقدم حقها ، أو بعد الحجر بيعت ، وبعد الوضع دون ولدها ، وفي الكتابة قولان : قيل : كالعتق ترد ، وقيل : كالبيع ينفذ .

                                                                                                                قال : ورأى إن كان قيمته مكاتبا قيمته رقيقا مضت قبل الحجر أو بعده ; لعدم ضرر الغرماء ، إلا أن يتعذر بيع المكاتب ، وإن كانت قيمته مكاتبا أقل وهو يوفي بالدين لم يرد ، أو لا يوفي ردت إن كانت بعد الحجر أو قبل ، والحبس لتخفيف الكتابة لما يرجو من الولاء - ردت .

                                                                                                                وإن كانت على حسن النظر من السيد ومن ناحية التجارة لكثرة النجوم مضت . واختلف قول مالك في رهنه وقضائه لدينه فأمضاه مرة ، ورده أخرى ، وجعل للغرماء الدخول على القابض أو المرتهن يحاصوه ، والأول في الكتاب ، ورجع عنه " في " ذكر الرجوع في الكتاب أيضا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن أقر قبل الفلس بمال دخل صاحبه مع من هو ببينة ، أو بعد الفلس لا يدخل فيما بيده ، بل هو للغرماء ; لأنه إقرار عليهم فلا يسمع ، فإن أفاد بعد ذلك مالا دخل فيه مع من بقي له من الأولين شيء لاختصاص التهمة بالأول ، وإن أفاد مالا بعد الفلس فلم يقم فيه الغرماء الأولون ، ولا المقر له حتى أقر [ ص: 170 ] بدين لآخر نفذ إقراره ما لم يكن عند قيام الأولين بتفليسه ثانية ، فإن أقر قبل ذلك جاز ، فإذا فلس ثانية فالمقر لهم آخرا أولى بما في يديه من الغرماء الأولين ، إلا أن يفضل شيء عن دينهم ، لأن ما في يديه هو من المعاملة الثانية إذا كان قد عومل بعد الفلس ، وباع واشترى ; لأن مالكا قال : إذا داين الناس بعد الفلس ثم فلس ثانية فالمداين الأخير أولى من الأول ; لأنه ماله . فإن كان إنما أفاد المال الثاني بميراث أو صلة أو أرش جناية ونحوه ، استوى الأول والآخر فيه . وما دام قائم الوجه فإقراره جائز . وفي النكت لم يختلف قوله في إقرار من أحاط الدين بماله ، واختلف في قضائه . والفرق أن الإقرار يوجب المحاصة مع الغرماء فهو أخف .

                                                                                                                قال ابن يونس : قوله : إن أقر قبل الفلس يريد وقبل القيام عليه . قال محمد : وإذا قام الغرماء عليه ولا بينة لهم نفذ إقراره ، إن كان في مجلس واحد ، وقرب بعض ذلك من بعضه ، أو صاحب البينة لا يستغرق ما له فينفذ ، فإن ذا البينة لا يفلس .

                                                                                                                وعن مالك : إن كان المقر له من مداينة وتقاض وخلطة يحلف ويحاصص من له البينة ، وكذلك إن علم أنه باع منه سلعة لا تعلمها البينة ، فقال عند التفليس : هذا متاع فلان ، فقيل : يكون أولى للعلم بتقدم المعاملة فيه ، وقيل : لا يقبل قوله في التعيين ، ويحلف الغرماء على علمهم ; لأنه قد تعين أنفس منها ( كذا ) فإن نكلوا حلف البائع وأخذها ، وكذلك القراض والوديعة كالسلعة يقبل قوله عند ابن القاسم دون أشهب . وعن ابن القاسم يقبل قوله فيهما في الموت والفلس وإن لم يكن على أصلهما بينة ; لأنهما أمانة بخلاف الدين ، بخلاف قوله في مالي ذلك من غير تعيين ; لأنهما دين حينئذ فيحصل فيهما ثلاثة أقوال .

                                                                                                                قال اللخمي : إقراره قبل الحجر لمن لا يتهم عليه جائز ، ولمن يتهم عليه كالأب والزوج خلاف ، والأحسن المنع ; ليلا يواطئه ليرد إليه ، وبعد القيام عليه ثلاثة أقسام : يجوز مع الديون التي قيم عليه بها كلها بينة ، أو بغير بينة لا تستغرق المال ، أو تستغرق ويعلم معاملة المقر له وأقر له بما يشبه . ويمتنع الإقرار بعد الحجر ، واختلف في ثلاث مسائل : بعد القيام ، وقبل الحجر ، والسجن ، وفيما ثبتت المعاملة بالبينة وأقر أن عين المشتري قائمة . وفيما إذا أقر بأمانة كالقراض . وينبغي للحاكم أن يبتدئ سؤاله عما عليه [ ص: 171 ] للناس فيبينه ، وأكثر الناس يتعاملون بغير إشهاد ، ولا يعرف ذلك إلا من قبله ، وإلا تذهب أموال الناس . ولو قال بعد الكشف عن حاله : فلان نسيته قبل بالقرب . وإذا رد إقراره بعد الحجر ثم داين لم يدخل المقر له مع المداين ; لأنه كان رضي بالتفليس ، فإن صح إقراره ولم يرض بتفليسه ولا دخل في المحاصة قال : لا يدخل مع الآخرين . وقال محمد : يدخل وإن كان غائبا حين الفلس ; لأن الدخول مع الأولين كان له ، وله الدخول مع الآخرين عند محمد ، ومنعه ابن القاسم ; لأنها أموال الآخرين لا يشاركهم الأولون ، وهو أحسن .

                                                                                                                واختلف إذا أبقى أحد الأولين في يديه نصيبه . قال ابن القاسم : يضرب مع الآخرين بقدر ما أبقى كمداينة حادثة ، وفي كتاب ابن حبيب : يضرب بأصل دينه ، وهو أحسن . إذا لم يكن أراد فلسه ، وإنما قام بحقه ليلا ينتفع به أصحابه . وفي الجواهر : كل إقرار رد ثبت في ذمته .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : اختلف في عتقه أم ولده : أمضاه ابن القاسم في الكتاب ، ورده المغيرة ، ولم يجعله كطلاق امرأته . وإذا أمضينا تبعها مالها عند مالك ، ومنع ابن القاسم إلا أن يكون يسيرا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وما لا يصادف المال ينفذ كالطلاق ، والخلع ، واستيفاء القصاص ، وعضوه ، واستلحاق النسب ، ونفيه باللعان ، وارتهانه ، وقبول الوصية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : والمال المتجدد بعد الحجر لا يتعدى إليه الحجر إلا بتجديده مرة أخرى .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                ما يتعلق بمصلحة الحجر كأجرة الكيال والحمال تقدم على جميع الديون ; لأنها أهم من مصالح الغرماء .

                                                                                                                [ ص: 172 ] فرع

                                                                                                                قال : يحلف المحجر عليه بالسلف مع شاهده ويأخذ دينه ، ويحلف إذا رد عليه اليمين ، فإن نكل فللغرماء الحلف ، قاله ابن حبيب ; لأن الحق لهم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أراد المفلس سفرا ، لمن بقي له دين حال منعه ، ولا يمنعه صاحب المؤجل ، ولا يطالبه بالكفيل ، ولا الإشهاد إلا أن يحل في غيبته عند الاستحقاق ، وقاله ( ش ) ، وابن حنبل : لا يحبسه خوف القرب ، ولا يمنعه خشية الموت .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية