الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله .

استئناف ابتدائي لتنبيه المسلمين على نقائص أهل الكتاب ، تحقيرا لهم في نفوسهم ، ليكونوا أشداء عليهم في معاملتهم ، فبعد أن ذكر تأليه عامتهم لأفاضل من أحبارهم ورهبانهم المتقدمين : مثل عزير ، بين للمسلمين أن كثيرا من الأحبار والرهبان المتأخرين ليسوا على حال كمال ، ولا يستحقون المقام الديني الذي ينتحلونه ، والمقصود من هذا التنبيه أن يعلم المسلمون تمالؤ الخاصة والعامة من أهل الكتاب ، على الضلال وعلى مناواة الإسلام ، وأن غرضهم من ذلك حب الخاصة الاستيثار بالسيادة ، وحب العامة الاستيثار بالمزية بين العرب .

وافتتاح الجملة بالنداء واقترانها بحرفي التأكيد ، للاهتمام بمضمونها ورفع احتمال المبالغة فيه لغرابته .

وتقدم ذكر الأحبار والرهبان آنفا .

[ ص: 175 ] وأسند الحكم إلى كثير منهم دون جميعهم لأنهم لم يخلوا من وجود الصالحين فيهم مثل عبد الله بن سلام ومخيريق .

والباطل ضد الحق ، أي يأكلون أموال الناس أكلا ملابسا للباطل ، أي أكلا لا مبرر له ، وإطلاق الأكل على أخذ مال الغير إطلاق شائع قال تعالى ، وتأكلون التراث أكلا لما وقال ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون في سورة البقرة وقد تقدم ، وكذلك الباطل تقدم هنالك .

والباطل يشمل وجوها كثيرة ، منها تغيير الأحكام الدينية لموافقة أهواء الناس ، ومنها القضاء بين الناس بغير إعطاء صاحب الحق حقه المعين له في الشريعة ، ومنها جحد الأمانات عن أربابها أو عن ورثتهم ، ومنها أكل أموال اليتامى ، وأموال الأوقاف والصدقات .

وسبيل الله طريقه استعير لدينه الموصل إليه ، أي إلى رضاه . والصد عن سبيل الله الإعراض عن متابعة الدين الحق في خاصة النفس ، وإغراء الناس بالإعراض عن ذلك . فيكون هذا بالنسبة لأحكام دينهم إذ يغيرون العمل بها ، ويضللون العامة في حقيقتها حتى يعلموا بخلافها ، وهم يحسبون أنهم متبعون لدينهم ، ويكون ذلك أيضا بالنسبة إلى دين الإسلام إذ ينكرون نبوءة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويعلمون أتباع ملتهم أن الإسلام ليس بدين الحق .

ولأجل ما في الصد من معنى صد الفاعل نفسه أتت صيغة مضارعه بضم العين : اعتبارا بأنه مضاعف متعد ، ولذلك لم يجئ في القرآن إلا مضموم الصاد ولو في المواضع التي لا يراد فيها أنه يصد غيره ، وتقدم ذكر شيء من هذا عند قوله - تعالى : الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا في سورة الأعراف .

التالي السابق


الخدمات العلمية