الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : فيمن التزم مذهبا وخالفه بلا دليل .

( تنبيه ) : قال الإمام العلامة ابن مفلح في آدابه الكبرى : من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بلا دليل ولا تقليد سائغ ولا عذر . كذا ذكر في الرعاية هذه المسألة ، وذكر في موضع آخر يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر ولا يقلد غير أهله ، وقيل بلى ، وقيل ضرورة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضوان الله عليه : من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله فإنه يكون متبعا لهواه ، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي ، وهذا منكر ، قال وقد نص الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه ، مثل أن يكون طالبا لشفعة الجوار فيعتقد أنها حق له ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار اعتقد أنها [ ص: 225 ] ليست ثابتة .

أو مثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد فإذا صار جدا مع أخ اعتقد أن الجد لا يقاسم الإخوة . وإذا كان له عدو يفعل بعض الأمور المختلف فيها كلعب الشطرنج وحضور السماع إن هذا ينبغي أن يهجر وينكر عليه .

فإذا فعل ذلك صديقه اعتقد أن ذلك من مسائل الاجتهاد التي لا تنكر ، فمثل هذا ممن يكون في اعتقاده حل الشيء وحرمته ، ووجوبه وسقوطه بحسب هواه مذموم مجروح خارج عن العدالة ، وقد نص الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره على أن هذا لا يجوز ، وأما إذا تبين له رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يفهمها ويعلمها ، وإما بأن يرى أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب ، وفد نص الإمام أحمد على ذلك . انتهى ملخصا والله أعلم .

وقد رفعت فتوى للإمام العلامة والقدوة الفهامة خاتمة المحققين وواسطة عقد المرجحين الشيخ علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي صاحب الإنصاف رضي الله عنه وهي : هل للحاكم الحنبلي أن يحكم في مسألة الخلاف فيها مطلق بالصحة تارة على إحدى الروايتين وبالبطلان أخرى على الرواية الثانية ؟ أجاب رضي الله عنه : أما الحكم بالتشهي فلا نعلم أحدا من أصحاب الإمام أحمد بل ولا من غيرهم قال به ، فإن ذلك يفضي إلى الإباحة والتحريم بالتشهي ، وهذا لا يسوغ في دين الإسلام ، وإنما قال العلماء في ذلك إذا كان مجتهدا وأداه اجتهاده إلى شيء ساغ له العمل به ، ثم إذا تغير اجتهاده عمل بالثاني .

وأما الحكم بالتشهي فزندقة ، ولا يصح حكمه ولا توليته القضاء { ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } وبمثله أفتى الشبشيني ، والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية