الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال الله تعالى: أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين

                                                          قوله تعالى: أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا (أم) هنا للإضراب الانتقالي من باب في الجهاد وتحريض عليه إلى باب الاختبار بالجهاد وتمحيص المخلصين من غير المخلصين، والهمزة في "أم" [ ص: 3249 ] للاستفهام التوبيخي على حسبانهم وظنهم أنهم يتركون من غير تمحيص واختبار وكشف المجاهدين من غيرهم، ومثل ذلك قوله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين وقوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب وكقوله تعالى: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب

                                                          وقوله تعالى: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم (لما) للنفي في الحاضر مع توقع الوقوع في القابل، ونفي العلم هو نفي المعلوم; لأن الله عليم بكل شيء بما كان، وما يكون، والمراد نفي العلم بالجهاد واقعا، وإن كان متوقعا، كما قال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين

                                                          وإن الجهاد جهادان: جهاد بلقاء الأعداء، واشتجار السيوف، وجهاد آخر بتنقية الصفوف من الأعداء والدخول ومنع الولاية لغير المؤمنين، ولذلك عطف الذين جاهدوا وهو وصف آخر بقوله: ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة الوليجة الحاشية البطانة، أي جاهدوا ولم يتخذوا من دون الله والرسول والمؤمنين وليجة أي: بطانة يسرون إليهم بالمودة، وتكرار لا لتأكيد البعد عن أن يتخذوا من غير هؤلاء بطانة لهم.

                                                          و(وليجة) من ولج بمعنى دخل، ومعنى (وليجة): دخيلة مودة وبطانة من دون الله، وهم يحادون الله ورسوله، والله تعالى يقول: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ولقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا [ ص: 3250 ] بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم ...

                                                          وقد ضعف شأن المسلمين من وقت أن اتخذ ملوك بني أمية ومن جاء بعدهم من اليهود والنصارى بطانة كانت تدس بين المؤمنين، وتثير الفتن بينهم، حتى أدخلوا في الدين ما ليس منه.

                                                          ولقد ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: والله خبير بما تعملون أي: إن الله عليم علما دقيقا بما تعملون من ظواهر أيمانكم وبواطنها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية