الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ومنها الشهادة وهي : حضور الشهود ، والكلام في هذا الشرط في ثلاث مواضع .

                                                                                                                                أحدها : في بيان أن أصل الشهادة شرط جواز النكاح أم لا .

                                                                                                                                والثاني : في بيان صفات الشاهد الذي ينعقد النكاح بحضوره .

                                                                                                                                والثالث : في بيان وقت الشهادة .

                                                                                                                                أما الأول : فقد اختلف أهل العلم فيه قال عامة العلماء : إن الشهادة شرط جواز النكاح .

                                                                                                                                وقال مالك : ليست بشرط وإنما الشرط هو الإعلان حتى لو عقد النكاح وشرط الإعلان جاز وإن لم يحضره شهود ، ولو حضرته شهود وشرط عليهم الكتمان لم يجز ولا خلاف في أن الإشهاد في سائر العقود ليس بشرط ولكنه مندوب إليه ومستحب قال الله تعالى في باب المداينة : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } والكتابة لا تكون لنفسها بل للإشهاد ونص عليه في قوله : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } وقال عز وجل في باب الرجعة { وأشهدوا ذوي عدل منكم } .

                                                                                                                                ( وجه ) قول مالك أن النكاح إنما يمتاز عن السفاح بالإعلان فإن الزنا يكون سرا فيجب أن يكون النكاح علانية وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح السر والنهي عن السر يكون أمرا بالإعلان ; لأن النهي عن الشيء أمر بضده ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أعلنوا النكاح ولو بالدف } .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا نكاح إلا بشهود } وروي { لا نكاح إلا بشاهدين } وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الزانية التي تنكح نفسها بغير بينة } ولو لم تكن الشهادة شرطا لم [ ص: 253 ] تكن زانية بدونها ، ولأن الحاجة مست إلى دفع تهمة الزنا عنها ولا تندفع إلا بالشهود ; لأنها لا تندفع إلا بظهور النكاح واشتهاره ولا يشتهر إلا بقول الشهود وبه تبين أن الشهادة في النكاح ما شرطت إلا في النكاح للحاجة إلى دفع الجحود والإنكار ; لأن ذلك يندفع بالظهور والاشتهار لكثرة الشهود على النكاح بالسماع من العاقدين وبالتسامع وبهذا فارق سائر العقود فإن الحاجة إلى الشهادة هناك لدفع احتمال الشهود النسيان أو الجحود والإنكار في الثاني إذ ليس بعدها ما يشهرها ليندفع به الجحود فتقع الحاجة إلى الدفع بالشهادة فندب إليها ، وما روي أنه نهى عن نكاح السر فنقول : بموجبه لكن نكاح السر ما لم يحضره شاهدان فأما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح سر إذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا قال الشاعر :

                                                                                                                                وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة غير الخفي

                                                                                                                                وكذلك قوله : صلى الله عليه وسلم { أعلنوا النكاح } لأنهما إذا أحضراه شاهدين فقد أعلناه وقوله : صلى الله عليه وسلم ولو بالدف ندب إلى زيادة علانة وهو مندوب إليه - والله عز وجل الموفق - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية