الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 486 ] القول في تأويل قوله ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف من أدعيتهم أنهم دعوا به ربهم ، بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ، ذكرا كان العامل أو أنثى .

وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة"؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الآية .

8367 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، تذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت : " أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " ، الآية . [ ص: 487 ]

8368 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار قال : سمعت رجلا من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقول : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " .

8369 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلمة ، عن أم سلمة : أنها [ ص: 488 ] قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله تعالى : " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض " .

وقيل : " فاستجاب لهم " بمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى؟ فلم يستجبه عند ذاك مجيب



بمعنى : فلم يجبه عند ذاك مجيب .

[ ص: 489 ]

وأدخلت"من" في قوله : " من ذكر أو أنثى " على الترجمة والتفسير عن قوله : "منكم" ، بمعنى : " لا أضيع عمل عامل منكم " ، من الذكور والإناث . وليست"من" هذه بالتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد ، لأنها دخلت بمعنى لا يصلح الكلام إلا به .

وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع كما تدخل في قولهم : "قد كان من حديث" ، قال : و"من" هاهنا أحسن ، لأن النهي قد دخل في قوله : "لا أضيع" .

وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال : لا تدخل"من" وتخرج إلا في موضع الجحد . وقال : قوله : " لا أضيع عمل عامل منكم " ، لم يدركه الجحد ، لأنك لا تقول : "لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت" ، فتدخل ، "ولا" ، لأنه لم ينله الجحد ، ولكن"من" مفسرة .

وأما قوله : " بعضكم من بعض " ، فإنه يعني : بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم من بعض ، في النصرة والملة والدين ، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل ، على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى .

التالي السابق


الخدمات العلمية