الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ألا إن أولياء الله . الآية . أخرج أحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن وهب قال : قال الحواريون : يا عيسى، من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى عليه الصلاة والسلام : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، وأماتوا . [ ص: 673 ] منها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالا، وذكرهم إياها فواتا، وفرحهم بما أصابوا منها حزنا، وما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق، وضعوه، خلقت الدنيا عندهم فليس يجددونها، وخربت بينهم فليس يعمرونها، وماتت في صدورهم فليس يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها هم الفرحين، باعوها فكانوا ببيعها هم المربحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت فيهم المثلات، فأحبوا ذكر الموت، وتركوا ذكر الحياة، يحبون الله تعالى، ويستضيئون بنوره ويضيئون به، لهم خبر عجيب وعندهم الخبر العجيب، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه علموا، ليسوا يرون نائلا مع ما نالوا، ولا أماني دون ما يرجون، ولا خوفا دون ما يحذرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قيل : من هم يا رب؟ قال : الذين آمنوا وكانوا يتقون [ ص: 674 ] وأخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير في قوله : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال : هم الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والضياء في "المختارة" عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال هم الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال : يذكر الله لرؤيتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول، والبزار، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قيل : يا رسول الله، من أولياء الله؟ قال الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 675 ] وأخرج أبو الشيخ ، من طريق مسعر، عن سهل بن أبي الأسد قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله؟ قال الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من طريق مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن سعد قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله؟ قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي الضحى في قوله : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال : هم الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والحكيم الترمذي ، وابن مردويه ، عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا : بلى . قال : خياركم الذين إذا رؤوا ذكر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر مرفوعا : إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة بقربهم ومجلسهم منه . فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله، صفهم لنا، حلهم لنا . قال : قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل، تصادقوا في الله، وتحابوا في الله، يضع الله لهم [ ص: 676 ] يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم، يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والحكيم الترمذي ، عن عمرو بن الجموح، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله تعالى، فإذا أحب لله وأبغض لله، فقد استحق الولاء من الله، وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، عن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم : خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون البرآء العنت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خياركم من ذكركم الله رؤيته، وزاد في عملكم منطقه، ورغبكم في الآخرة عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال : قيل : يا رسول الله، أي [ ص: 677 ] جلسائنا خير؟ قال : من ذكركم الله رؤيته، وزاد في أعمالكم منطقه، وذكركم الآخرة عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس بن مالك قال : قالوا : يا رسول الله، أينا أفضل كي نتخذه جليسا معلما؟ قال : الذي إذا رئي ذكر الله برؤيته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، وهناد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله ناسا يغبطهم الأنبياء والشهداء . قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزنوا . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله . قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، [ ص: 678 ] وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس . ثم قرأ : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان"، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله . قال أعرابي : يا رسول الله، انعتهم لنا . قال : هم أناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا في الله، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسون عليها، يفزع الناس، ولا هم يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتجالسين في، الذين يعمرون مساجدي بذكري، ويعلمون الناس الخير، ويدعونهم إلى طاعتي، أولئك أوليائي الذين أظلهم في ظل عرشي، وأسكنهم في جواري، وأؤمنهم من عذابي، وأدخلهم الجنة قبل الناس [ ص: 679 ] بخمسمائة عام يتنعمون فيها وهم فيها خالدون . ثم قرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال الذين يتحابون في الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال هم الذين يتحابون في الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الله بن أحمد في زوائد "المسند"، عن أبي مسلم قال : لقيت معاذ بن جبل بحمص، فقلت : والله إني لأحبك لله . قال : أبشر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المتحابون في الله في ظل العرش، يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء . ثم خرجت فلقيت عبادة بن الصامت، فحدثته بالذي قال معاذ، فقال عبادة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه عز وجل، أنه قال : حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 680 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المتحابين في الله لعلى عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة، يضيء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس أهل الدنيا، يقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا حتى ننظر إلى المتحابين في الله . فإذا أشرفوا عليها أضاء حسنهم أهل الجنة كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب خضر من سندس، مكتوب على جباههم : هؤلاء المتحابون في الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن سابط قال : أنبئت أن عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، قوما على منابر من نور، ووجوههم نور، عليهم ثياب خضر تغشي أبصار الناظرين رؤيتهم، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، قوم تحابوا في جلال الله حين عصي الله في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن العلاء بن زياد عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : عباد من عباد الله ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بقربهم من الله على منابر من نور، يقول الأنبياء والشهداء : من هؤلاء؟ فيقولون : هؤلاء كانوا يتحابون في الله على غير أموال تعاطوها، ولا أرحام كانت بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 681 ] وأخرج أحمد ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي، فيقال : من هؤلاء؟ فيقال : المتحابون في الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية