الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الحكم الثامن : طرو غريم بعد القسمة . في الكتاب : إذا طرأ غريم بعد القسمة لم يعلم به رجع على الغرماء بنصيبه في المحاصة يتبع كل واحد في ملائه وعدمه ، والموت مثل الفلس في ذلك لمساواته لهم في أصل الاستحقاق . قال التونسي : ولو سكت بعضهم وهو يرى المال يقسم فلا قيام له عند ابن القاسم ودينه في الذمة ، كما لو أعتق وسكت الغرماء ، ولو سكت بعض غرماء الميت له الرجوع ، والفرق خراب ذمة الميت . قال ابن يونس : قيل : يوقف للساكت حقه كالغائب إلا إن تبين تركه ، وقيل : إذا كان حاضرا ولم يشهد القسمة ، فلو حضر وشهد فلا رجوع اتفاقا . قال مالك : إذا لم يقم الباقون حتى داين آخرين فلمن لم يقم من الأولين تفليسه ومحاصة من داينه بعد التفليس ; لأنهم لم يفلسوه أولا فأشبه من داين قبل التفليس . وعن مطرف لا يقوم الأولون الساكتون ; لأن سكوتهم إسقاط حق المطالبة وعن ابن القاسم إذا قسم الورثة والغريم حاضر القسمة لا يقوم بعد ذلك ; لأن ذلك إسقاط إلا أن يكون له عذر . وفي الجواهر : يرجع [ ص: 201 ] الغريم على كل واحد بما ينوبه لا على مليء بمعدم ولا حي بميت ، وكذلك يستحق المبيع ، هذا إذا كان الميت غير مشهور بالدين ، فإن كان مشهورا بذلك أو علم الورثة بالدين ، ثم باعوا وقضوا بعض الغرماء فلمن بقي الرجوع على الورثة بما يخصه ، ثم يرجع الورثة على الآخذ ، وحيث رجع الورثة أخذ المليء عن المعدم ما لم تتجاوز حصته ما قبض الوارث بخلاف الغرماء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال أشهب : لو ترك ألف درهم عينا وعبدا ، وعليه لغريمين لكل واحد ألف درهم ، فحضر أحدهما فأخذ الألف ، فقدم الغائب وقد هلك العبد فإن كانت قيمته ألفا فلا رجوع ، ولا ينظر إلى قيمته يوم مات أو مات السيد ، بل أدون قيمة مضت عليه من قبض الغريم إلى موت العبد ; لأن من يوم القبض تعين الغريم وضمانه ، فإن كانت قيمته خمسمائة رجع على قابض الألف بمائتين وخمسين ، وحسب العبد على الغائب ، وإن اختلفا في القيمة صدق الطارئ لأنه محسوب عليه ، فلو باع الوصي العبد بألف وقضاها للحاضر ، ثم تلفت الألف العين فلا رجوع للطارئ كما لو كان المال كله عينا فوقف نصيب الغائب ، فلو رد العبد بعيب بعد تلاف الألف التي عزل فقدم الغائب بيع العبد ثانية للحاضر ، فإن نقص ثمنه رجع بنقصه على الغائب إلا أن يكون أتى للعبد وقت من يوم قضى بثمنه ، يسوي فيه بالعيب ألفا فلا يرجع على الغائب ; لأنه في ذلك الوقت يعتبر مستوفيا ، ولو بيع بألف فأخذها الحاضر ، ثم أخذ الغائب الألف ، ثم رد العبد بعيب ، فإن كانت بلغت قيمته بالعيب ألفا لم يرجع على القادم ، ولو كانت قيمته خمسمائة رجع على القادم بمائتين وخمسين ، وإنما جعل أشهب موت العبد وتلاف المال من الغائب في الموت ، وأما في الفلس فمن المفلس لبقاء المحل قابلا للضمان ، ولو طرأ وارث على وارث فقال مالك ، وابن القاسم : هو كالغريم يطرأ على الغريم وموصى على الموصى له ، بجامع الاستحقاق . وقال ابن عبد الحكم : يقاسم الطارئ المليء فيما أخذ كأن الميت لم يترك غيرهما ، ثم [ ص: 202 ] يرجعان على سائر الورثة بما يعتدلون به معهم ، فمن أيسر منهم قاسموه ، ثم رجعوا على الباقين هكذا حتى يعتدلوا . قال محمد : والغريم يطرأ على موصى له كذلك يأخذ المليء إلى مبلغ حقه ; لأنه مبدأ عليه ليس له معه شيء حتى يستوفي دينه ، بخلاف وارث يطرأ على وارث أو غريم على غريم ، لأنه مساو لمن يطرأ عليه . وروى أشهب أن يساويه فيما يجد بيده لهذا ، ورأى ابن القاسم أن يرد عليه ما أخذ من حصته فلا يرجع عليه بما قبض غيره لعدم تعديه بقبضه . قال محمد : إذا طرأت امرأة وقد أخذت امرأة الثمن والابن ما بقي ، ووجدت المرأة عديمة والابن مليا رجعت على الابن بثلث خمس ما صار إليه ; لأن ميراثه سبعة أثمان وللطارئة نصف الثمن فأضعفها تصير خمسة عشر لها سهم ، وترجع هي والابن على الأولى بنصف ما أخذت فيقسمان ذلك على خمسة عشر : للابن أربعة عشر وللطارئة سهم ، هذا على مذهب أشهب ، وعند ابن القاسم : يقسم سهمها على ثمانية : تأخذ من الابن سبعة أثمان نصف الثمن ومن المرأة ثمن نصف الثمن . قال محمد : ولو قالت الطارئة : معي نصيبي أو تركت حقي لكما ، انتقضت القسمة الأولى بين الابن والمرأة ، ويقتسمان ما بأيديهما خمسة عشر سهما : للزوجة سهم وللابن ما بقي ، وإذا طرأ وارث أو غريم على بعض الورثة وهو مليء وباقيهم معدم فقال : تلف مني ما أخذت لا يصدق فيما يغاب إليه ببينة للتهمة ، وإلا صدق ما لم يتبين كذبه ، مثل أن يذكر موت العبد أو الدابة بموضع لا يخفى بخلاف السرقة والإباق وهرب الدابة ؛ يصدق مطلقا مع يمينه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في النوادر قال عبد الملك : إذا أخذ غرماء الميت أو المفلس دينهم ، وبقي ربع أو غيره فهلك ، ثم طرأ غريم لا رجوع له على الأولين إن كان الذي ترك وفاء للطارئ . ولو كان الورثة أخذوه في الموت رجع الطارئ عليهم أملياء أو عدماء ، وإن كان واحد مليئا أخذ منه كل ما أخذ ، ويرجع هذا الوارث على بقية الورثة ببقية حقه على أن ما تركه الميت ما أخذوا ، وما بقي بيد هذا إن بقي شيء ، ولا يتبع المليء المعدم ويضمنون ما أكلوا واستهلكوا ، بخلاف ما [ ص: 203 ] لا سبب لهم في هلاكه ، وما باعوه بلا محاباة فإنما عليهم الثمن ، وما جني عليه عندهم فلهم أجمعين أرش ذلك ، كانت القسمة بأنفسهم أو بحاكم . وقاله كله مالك وابن القاسم .

                                                                                                                قال ابن القاسم : ولو كان القاضي أمر ببيع الرقيق الوصي أو وصي الوصي إليه فاشترى الورثة منهم كغيرهم ولم يكن يمضي القسمة ضمن بعضهم لبعض ما فات ، واتبعهم الغرماء بالأثمان ، ولو كان قسمة لم يتبعوا . قال أصبغ : لا أرى ذلك ، وقسمتهم وقسمة السلطان أو الوصي سواء لقول مالك : قال في الحالفة بعتق أمتها فباعتها ، ثم ورثتها هي وإخوتها فاشترتها في حظها ، ثم فعلت المحلوف عليه لم تحنث إن كان قدر ميراثها وشراؤها كالقسمة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا فلس وله ألف درهم ومائة درهم ، فأخذ الغرماء الألف وأوقفت المائة فهلكت ، ثم طرأ غريم له مائتان فهي من الطارئ ، وإن أنفقها المفلس فهي في ذمته له ، ولا يرجع على الأولين بها ، ويرجع بالمائة الأخرى عليهم في الألف بجزء من أحد عشر ، قاله عبد المالك ، وهو بعيد بل أصل ابن القاسم يرجع في الألف ومائة بجزئين من اثني عشر فيأخذ مائتين إلا سدس مائة ، فيحسب عليه المائة الذاهبة ، ويرجع بخمسة أسداس مائة ، قاله عبد المالك . وكذلك لو بيع بعض ماله فكان كفاف دين الغرماء ، وكان الظن أن جميع ماله لا يفي بدينهم ، فأخذ من قام حقه وبقي بيده الباقي ، فلا يرجع الطارئ على الأولين وإن هلك الباقي إن كان كفاف دينهم . وقال أصبغ : إنما هذا في الميت لعدم ذمته ، أما المفلس فحق الطارئ في ذمته لا يضمن الهالك ، كما لو حضر وامتنع من القيام فهلك ما بيع من الإيقاف لضمن ذلك من قام بتفليسه .

                                                                                                                قال عبد الملك : ولو أبق عبد فاقتسم الغرماء ، ثم قدم الآبق فمات أو أبق ثانية ، ثم طرأ غريم حاص الأولين بما بقي له بعد قيمة العبد . ولو لم يقدم العبد لحاص بجميع دينه ، ولو رجع على الأولين فلم يأخذ منهم شيئا ، ثم قدم العبد [ ص: 204 ] لرجع طلبه في العبد دونهم إلا أن يبقى له شيء بعد ثمن العبد . وكذلك كل ما يظهر للغريم من عطية وغيرها قبل أخذ الطارئ من الغرماء شيئا ، وليس هذا مما يقطعه الحكم .

                                                                                                                قال أصبغ : إذا حكم بالرجوع على الغرماء بالحصاص مضى ولم يرجع في الطارئ كجميل الوجه يقضى عليه بالمال ، ثم يأتي الغريم قبل قبض الطالب . ومنع ابن حبيب إلحاقه بالحميل ، ولو وهب له أبوه بعد أخذ الغرماء أو ورثه فعتق عليه لرجع الطارئ الذي دينه بتاريخ دين الأولين عليهم ; لأن الهبة لا ترد وينفذ عتقه على الغرماء ليلا يبطل مقصود الواهب ، بخلاف شرائه أو أخذه في دينه فإنه يباع للغرماء .

                                                                                                                ولو حلف بحرية عبد إن اشتراه قبل الدين أو بعده بعد اقتسام ماله ، ثم اشتراه فعتق عليه إن لم يكن يوم العتق ملئا بحق الطارئ رد عتقه ، وأخذ منه الطارئ دينه ، وعتق ما فضل ، وإن نقص رجع بما نقص على الغرماء ، ولو ملكه بهبة أو ميراث فكما تقدم في الأب ، ولو ظن أن ماله كفاف دينه فقسم فحدث له هبة أو ميراث أو دين أقر له به ، ثم تلف ذلك من يديه ، فلا يرجع الطارئ على الأولين لاتساع ماله بما هلك . ولو اقتسموا دينهم ببينة فقام الطارئ عليهم بمائة فرجع شاهدان كانا شهدا لبعض الأولين بمائة لرجع عليهم أجمعين ، ولا يختص بمن رجعت بينته ، ثم يرجعون على الشاهدين الراجعين بالمائة وفيهم الذي رجع شاهداه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية