الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وممن حولكم من الأعراب منافقون قال ابن عباس : مزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وغفار ، وأشجع ، كان فيهم بعد إسلامهم منافقون . قال مقاتل: وكانت منازلهم حول المدينة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ومن أهل المدينة مردوا على النفاق قال ابن عباس : مرنوا عليه وثبتوا ، منهم عبد الله بن أبي ، وجد بن قيس ، والجلاس ، ومعتب ، [ ص: 492 ] ووحوح ، وأبو عامر الراهب . وقال أبو عبيدة: عتوا ومرنوا عليه ، وهو من قولهم: تمرد فلان ، ومنه: شيطان مريد .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: كيف قال: (ومن أهل المدينة مردوا) ، وليس يجوز في الكلام: من القوم قعدوا؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهن: أن تكون "من" الثانية مردودة على الأولى; والتقدير: وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون ، ثم استأنف "مردوا" .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني أن يكون في الكلام "من" مضمر ، تقديره: ومن أهل المدينة من مردوا; فأضمرت "من" ، لدلالة "من" عليها كقوله: وما منا إلا له مقام معلوم [الصافات:164] يريد: إلا من له مقام معلوم; وعلى هذا ينقطع الكلام عند قوله "منافقون"

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن "مردوا" متعلق بمنافقين ، تقديره: ومن أهل المدينة منافقون مردوا ، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لا تعلمهم فيه وجهان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: لا تعلمهم أنت حتى نعلمك بهم . والثاني: لا تعلم عواقبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: سنعذبهم مرتين فيه عشرة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن العذاب الأول في الدنيا ، وهو فضيحتهم بالنفاق ، والعذاب الثاني: عذاب القبر ، قاله ابن عباس . قال: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيبا ، فقال "يا فلان" اخرج فإنك منافق ، ويا فلان اخرج" ففضحهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 493 ] والثاني: أن العذاب الأول: إقامة الحدود عليهم ، والثاني: عذاب القبر; وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن أحد العذابين: الزكاة التي تؤخذ منهم ، والآخر: الجهاد الذي يؤمرون به ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: الجوع ، وعذاب القبر ، رواه شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال أبو مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: الجوع والقتل ، رواه سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس: القتل والسبي ، رواه معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد . وقال ابن قتيبة: القتل والأسر .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع: أنهم عذبوا بالجوع مرتين ، رواه خصيف عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامن: أن عذابهم في الدنيا بالمصائب في الأموال والأولاد ، وفي الآخرة بالنار ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والتاسع: أن الأول: عند الموت ، تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم ، والثاني: في القبر بمنكر ونكير ، قاله مقاتل بن سليمان .

                                                                                                                                                                                                                                      والعاشر: أن الأول بالسيف ، والثاني: عند الموت; قاله مقاتل بن حيان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ثم يردون إلى عذاب عظيم يعني عذاب جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية