الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الحكم التاسع : حبسه إذا لم يثبت إعساره ، وفي الكتاب : لا يحبس إلا المالئ المتهم بتغييب ماله وإلا فيستبرأ ، وللحاكم حبسه قدر استبرائه أو يأخذ له حميلا ، فإذا ظهرت براءته أطلق ومتى تبين عدم المليء أو المتهم أطلق من غير تحديد ، ولا يلازمه رب الدين . وقاله ( ش ) ، خلافا ( ح ) ، وكذلك وافقنا ( ش ) في سماع بينة الإعسار في الحال ، وقال ( ح ) : حتى يحبس مدة يغلب على ظن الحاكم عدم ماله ولو كان له مال لظهر .

                                                                                                                وجوابه : أن البينة لا تسمع إلا إذا كان تعلم حاله بالخبرة الباطنة ، فلا [ ص: 205 ] معنى لحبسه ، ووافقنا ابن حنبل في جميع ذلك . ويحبس أحد الزوجين لصاحبه والولد بدين أبويه ، ولا يحبسان له لأنه عقوق ، ولا يحلف الأب فإن استحلفه فهو جرحة على الابن ، ويحبس الجد والأقارب والنساء والعبيد والذمة والسيد في دين مكاتبه ، ولا يحبس المكاتب بالعجز عن الكتابة لأنها ليست في الذمة ولكن يتلوم له .

                                                                                                                وفي التنبيهات : الإلداد واللداد : الخصومة قال الله تعالى : " وتنذر به قوما لدا " . من لديدي الوادي ؛ وهما جانباه ، كأنه يرجع من جانب إلى جانب لما كان يرجع من حجة إلى حجة ، وقيل : من لديدي الفم ، وهما جانباه لإعمالها في الكلام في الخصومة ، أو من التلدد وهو التحير ; لأنه يحير صاحبه بحجته ، وقوله حميلا بالوجه لا بالمال ويقضى على صاحب الدين به ، والمتهم بإخفاء المال حميلا بالمال دون الوجه ، إلا أن يحتاج للخروج من السجن لمنافعه ويرجع فيؤخذ بالوجه فقط . ومن عرف بالناض لا يؤجل ساعة ، ويؤجل صاحب العروض ما يبيع عروضه على حالها ، وهو ظاهر الروايات نفيا للضرر عنه . وقيل : تباع بحينها تغليبا لحق الطالب . وغير المعروف بالناض في تحليفه على إخفاء الناض قولان للمتأخرين ، وقيل : إن كان من التجار حلف وإلا فلا ، مبني على مشروعية يمين التهم ، وعن ابن القاسم لا يلزمه حميل حتى يبيع ولا يسجن ، وأكثرهم على الحميل والسجن . وقاله سحنون .

                                                                                                                وفي النكت : أصل السجن إجماع الأمة ، وقوله تعالى : " ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما " فإذا كان له ملازمته ومنعه من التصرف كان له حبسه ، والحبس ثلاثة : حبس التلوم والاختبار إذا لم يتهم في تغييب المال ، وللتهمة ، أو اللداد ، فحتى يتبين عدمه ، ولأنه نفى معلوما له فحتى يخرج ذلك المال ويعطي الدين ، قال عبد الملك : المجهول العدم أو المتهم بتغييب [ ص: 206 ] ماله أقل حبسه في الدريهمات اليسيرة نصف الشهر ، ولا يحبس في كثير المال أكثر من أربعة أشهر ، وفي المتوسط شهران ; لأن ثلث العام اعتبر في الإيلاء فلا يزاد عليه ، قال بعض شيوخنا : لا يحبس الوالد إلا في نفقة الولد الصغير ; لأن ذلك للحاكم لا للصغير فلا عقوق .

                                                                                                                قال صاحب المقدمات : حبس التلوم ، والاختبار هو الذي قال فيه عبد الملك في الدريهمات نصف شهر وفي الكثير أربعة أشهر وفي المتوسط شهران ، وأما المليء المتهم فحتى يثبت عدمه فيحلف ويسرح ، وأما من أخذ أموال الناس وقعد عليها وادعى العدم فتبين كذبه فأبدا حتى يؤدي أو يموت في الحبس . وقال سحنون : يضرب بالدرة المرة بعد المرة حتى يؤدي أو يموت ; لأنه الجاني على نفسه . وقاله مالك ، والقضاء عليه في هؤلاء الذين يرضون بالسجن ليأكلوا أموال الناس ، ولا يليق خلاف هذا ، وقد قال عمر بن عبد العزيز : تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور . ولا يمكن الملد المتهم من إعطاء حميل غلا حميلا فلزمه الغريم ، ولا يسقط الغرم عنه إثبات المطلوب العدم ، وإن أقام بينة بالعدم لم يترك ، قاله سحنون . وإن ساءل الطالب أن يعذر إليه في الشهود فيعاد للسجن إن قدح في البينة ، ويستحلف إن لم يقدح ، ثم يسجن وليس قوله مخالفا لقول ابن القاسم . قال ابن يونس : قال محمد : قال مالك : إذا شهدت بينة أنه احتج ( كذا ) يحبس ولا يعجل سراحه ، وكيف يعرفون أنه لا شيء عنده ؟ وفي التلقين ، وفي الجواهر : مدة الحبس غير مقدرة بل لاجتهاد الحاكم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : من حل دينه فسأل التأخير ووعد بالقضاء ، قال عبد المالك : يؤخره الإمام حسبما يرجى له ، ولا يعجل عليه . وفي كتاب سحنون : إن سأل أن يؤخر اليوم ونحوه ويعطي حميلا بالمال فعل .

                                                                                                                [ ص: 207 ] فرع

                                                                                                                في المقدمات : يحبس الوصي فيما على الأيتام إن كان في يده لهم مال ، وكذلك الأب إن كان عنده مال ابنه لم يعلم نفاده لادعائه خلاف الظاهر ، قاله ابن عبد الحكم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وليس لمن قال : لا شيء لي ، أما من قال : أخروني ووعد بالقضاء أخر قدر ما يرجى له ، فإن تنازعا في القدرة على الناض إن حقق الدعوى حلف اتفاقا ، وإلا فعلى الخلاف في يمين المتهم ، فإن نكل حلف الطالب ولم يؤخذ المطلوب قليلا ولا كثيرا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : فإن طلب تفتيش داره فللمتأخرين قولان ، وما وجد في داره فهو ملكه حتى يثبت خلافه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا ثبت عدم الغريم أو انقضاء أمد سجنه فلا يطلق حتى يستحلف ما له مال ظاهر ولا باطن ، ولئن وجد مالا ليؤدين إليه حقه . ويحلف مع ثبوت عدمه ; لأن الشهود إنما شهدوا له على العلم كالمستحق للعروض بشهادة الشهود يحلف ما باع ولا وهب ; لأن الشهود لم يشهدوا على القطع بل باستصحاب الملك ، فإذا حلف خلي سبيله حتى يتبين إفادته المال ، فإن طلب تحليفه بعد ذلك أنه لم يفد مالا لم يكن له ذلك ; لأنه قد استحلفه على ذلك ليلا يغشه باليمين في كل يوم . وهذا فائدة قوله في اليمين : لئن وجدت لوفيته حقه . قال ابن يونس : كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يستحلفان المعسر الذي لا يعلم له مال أنه ما يجد قضاء في فرض أو عرض ، وأنه إن وجد قضاء ليقضين ، ففي التحليف مصلحة الطالب [ ص: 208 ] بالاستظهار ، ومصلحة المطلوب بامتناع تحليفه بعد ذلك . قال اللخمي : واليمين على من عرف ملاؤه في الجامع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : فإن شهد بينتان بعدمه وملائه ولم تعين البينة مالا ففي أحكام ابن زياد تقدم بينة الملاء وإن كانوا أقل عدالة ، ويحبس بشهادتهم حتى يشهد أنه أعدم بعد ذلك ، وهو بعيد ، والصحيح رواية أبي زيد : أن ذلك تكاذب ، وتقدم بينة العدم ; لأنها أثبت حكما فيحلف ويسرح والأخرى نفت الحكم ، وإنما تقدم بينة الملاء إذا تعارضتا بعد تحليفه وتسريحه ، لأنها أثبتت حكما وهو سجنه . وروى أبو زيد : تسقط البينتان إذا استوتا في العدالة ، ثم إن كان متهما حبس حتى يأتي ببينة على العدم أعدل من بينة الملاء ، وإن كان إنما سجن تلوما أطلق .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال التونسي : لا يخرج المحبوس للجمعة ولا العيدين ، قاله ابن عبد الحكم ، واستحسن إذا اشتد المرض بأبويه أو ولده أو أخيه أو بعض من يقرب من قرابته وخيف عليه الموت أن يخرج فيسلم عليه ، ويؤخذ منه حميل بوجهه ولا يفعل ذلك في غيرهم من القرابات . ولا يخرج لحجة الإسلام لتقدم الدين على الحج . ولو أحرم بحج أو عمرة ، أو نذر فحنث فقيم عليه بدين حبس وبقي على إحرامه . ولو ثبت الدين يوم نزوله بمكة أو منى أو عرفة استحب أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج ، ثم يحبس بعد النفر الأول : ولا يخرج ليعين على العدو إلا أن يخاف عليه الأسر أو القتل بموضعه فيخرج إلى غيره ، ويخرج لحد القذف لتقدم الأعراض على الأموال ثم يرد . ولا يخرج إن مرض إلا أن يذهب عقله فيخرج بحميل حتى يعود عقله . ويحبس النساء على حدة . وفي النوادر : يمنع المحبوس ممن يسلم عليه ويحدثه ، وإن اشتد مرضه واحتاج إلى أمة مباشرة جعلت معه حيث يجوز ذلك . وإن حبس الزوجان لا يفرقان إن كان الحبس خاليا ، وإلا [ ص: 209 ] فرقا . ولا يفرق الأب من ابنه ولا غيره من القرابات ، بخلاف المرأة لعظم النفع بها . وإذا أقر في الحبس أنه أجر نفسه ليسافر مع رجل لم يخرج لذلك ولو قامت بينة ، وللمطالب فسخ الإجارة للسجن ; لأنه بحكم حاكم بخلاف غيره . وإذا أراد الزوج السفر بامرأته فأقرت بدين فأراد الغريم حبسها في هذا البلد حبست في البينة والإقرار إلا أن تتهم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : المعروف من المذهب حمل الغريم على اليسار من غير تفرقة بين الأحوال لأنه الغالب ، والناس مجبولون على الكسب والتحصيل . وعن مالك : إن من لم يتهم بكتم مال وليس يتاجر لا يفلس ولا يستحلف ؛ يريد من هو معروف بقلة ذات اليد . وكذلك ينبغي أن يعامل أرباب الصنائع كالبقال والخياط يقبل قوله ولا يحبس إلا أن يكون المدعى به يسيرا مما عومل عليه في صنعته أو أخذ عنه عوضا أو حمالة ; لأن الحميل قائل أنا أقوم بما عليه فهو إقرار باليسر . وكذلك الصداق يحمل فيه الرجل على حال مثله ، فكثير من الناس يتزوج وليس عنده مؤخر الصداق وخصوصا أهل البوادي . وكذلك جناية الخطأ التي لا تحملها العاقلة . وقال عبد الملك : إذا أعتق بعض عبد وقال : ليس عندي قيمة الباقي يسأل جيرانه ومعارفه ، فإن قالوا : لا نعلم له مالا أحلف وترك . قال سحنون : جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم . وهذه المسألة أصل في كل مال ما لم يؤخذ له عوض أنه لا يحمل فيه الملاء واللدد ، فإن الغالب التحيل للولد والقيام به .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا حبس حتى يثبت فقره ، ثم أتى بحميل ( له ) ذلك عند ابن القاسم لثبوت الإعسار ، ومنع سحنون ; لأن السجن أقرب لحصول الحق ، وإذا غاب المتحمل عنه وأثبت الحميل فقر الغريم برئ من الحمالة .

                                                                                                                [ ص: 210 ] فرع

                                                                                                                قال : تسأل البينة كيف عملت فقره ؟ فإن قالوا : نسمعه يقول : ذهب مالي وخسرت وما أشبه ذلك لم تسمع هذه البينة ، وإن قالوا : كنا نرى تصرفه في بيعه وقدر أرباحه أو نزول الأسواق ونقص رأس ماله شيئا بعد شيء ، وأن ذلك يؤدي إلى ما ادعاه سمعت ولو كان المطلوب فقيرا في مسائل : كمن طولب بدين بعد مناجمة ويدعي العجز بعد قضاء ، ويأتي بمن يشهد بفقره وحاله لم يتغير عن يوم ، ومن يطالب برزق ولده بعد طلاق الأم لم تسمع بينته بالفقر ; لأنه بالأمس كان ينفق فهو اليوم أقدر لزوال نفقة الزوجة إلا أن تشهد بينة بما يقل حاله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وإذا حلف بعد البينة قال مالك : يقام من السوق من يعمل لإتلاف أموال الناس وقال عبد الملك : لا يقام للناس .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : الأمين على النساء في الحبس امرأة مأمونة لا زوج لها أو لها زوج معروف بالخير مأمون ، ويحبسن في موضع خال من الرجال .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : يحبس الوالد للولد في صورتين : نفقة الولد الصغير ، ودين على الولد وله مال في يديه إذا ألد عن تسليمه إلا أن يكون المال عينا ولو مال ظاهر يقدر على الأخذ منه فيؤخذ ولا يحبس ، وإن ادعى الفقر كلف إثبات ذلك من غير حبس بخلاف الأجنبي ، ويسأل عنه بخلاف إن علم لدده والمال كثير ولم يوجد مال ظاهر يقضي منه حبس ، وإن أشكل أمره أو كان المطلوب يسيرا أو له قدر وهو حقير في كسب الابن ، واختلف في تحليفه له وحده إن قذفه ، وفي القصاص إن قطعه أو قتله ، ففي المدونة : لا يحلف . وفي الموازية : وهو بذلك عاق وترد [ ص: 211 ] شهادته . وقال : أرى إن كانت يمين تهمة بأنه أخذ أو كتم ميراث أمه لا يحلف إلا أن تكون التهمة ظاهرة في ذي بال يضر بالولد ، وإن كانت بسبب أنه يجحد ما داينه وله قدر أحلف ، ولا يحلف في اليسير ، ولا يحلف مطلقا إذا كان الأب دينا فاضلا ، ويتهم الابن في أذاه بسبب تقدم .

                                                                                                                قال ابن القاسم : ويحد له ويجوز عفوه عنه وإن بلغ الإمام ، ويقتص منه في القطع والقتل . أصبغ كذلك إلا في القتل إذا كان ولي الدم ابنه ، وهو أبين ، وأرى عظيما حده وقتله وقطعه ، وكذلك إن قام بالدم عم المقتول أو ابن عمه ، أو يكون المقتول ليس بولد للقاتل ، وهي مختلفة القبح . وأشكل من ذلك أن يقوم بالقصاص ابن أخي القاتل فيريد القصاص من عمه ، وقد قال - عليه السلام - : العم صنو الأب . وعدم تحليف الجد أحسن خلافا للمدونة ، واختلف في القصاص منه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ويحبس السيد في دين مكاتبه إلا أن يكون قد حل من نجومه ما يوفي بدينه أو يكون في قيمة المكاتب إن بيع ما يوفي ، ويحبس المكاتب في دين السيد إذا كان الدين من غير الكتابة ، ولا يحبس في الكتابة إلا على القول : إنه لا يعجزه إلا السلطان ، وله سجنه إذا اتهمه بكتم المال طلبا للعجز .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أقر بالملاء ولد عن القضاء ، فإن وجد له مال ظاهر قضي منه وإذا سجن ، وإذا سأل الصبر لإحضار الناض . وقال : ليس لي ناض أمهل . واختلف في حد التأخير ، وأخذ الحميل وتحليفه على العجز الآن ، فقال سحنون : يؤخر اليوم ويعطي حميلا وإلا سجن . وقال عبد الملك : ذلك على قدر المطلوب من غير [ ص: 212 ] تحديد ، قاله مالك ، وقال يجتهد في ذلك الحاكم ، ويؤخر المليء نحو الخمسة الأيام ولم يلزمه حميلا ، وهو أحسن ، ومتى أشكل الأمر لا يحمل على اللدد ، وإن قدر على القضاء من يومه بيع ما شق عليه بيعه وخروجه من ملكه كعبده التاجر ومركوبه ، وما يدركه من بيعه مضرة أو معرة لم يلزمه بيعه ; لأن الشأن من غير ذلك ؛ قاله مالك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أراد بعضهم حبسه وقال غيره : دعه يسعى حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده ; لأن حق الطالب مستقل ، قال ابن يونس في الموازية : إن قل دين طالب السجن وكثر دين غيره خير صاحب الكثير بين دفع اليسير لصاحبه ، وبين أن يباع له مما بيده ما يوفي بدينه وإن أتى على جميعه فمن شاء حاصص مع هذا القائم ، ومن أخر فلا حصاص له ، وإذا سجن لمن قام وله دين وعروض أكثر من دين من قام فلا يفلس ولا يقضى إلا لمن حل دينه ، ثم لو تلف ما بقي بيده ، وثم غريم فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا أخرك بعض الغرماء بحصته لزمه ذلك ، فإن أعدمت وقد اقتضى الآخر حصته فلا رجوع لصاحبه ; لأنه أسقط حقه ودخل على الغرر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا أديت دينه جاز إن فعلته رفقا به ، وامتنع إن أردت الإضرار به ، وكذلك شراؤك دينا عليه تعنيتا يمتنع البيع ، قال صاحب النكت : وإن لم يعلم المشتري ؛ قاله بعض الشيوخ ، كما إذا أسلفت قاصدا النفع والمتسلف غير عالم والبائع تلزمه الجمعة دون الآخر ، وقيل : إذا لم يعلم بإضرارك صح البيع وتحقق العقد ، ويباع الدين على المشتري فيرتفع الضرر ، قال ابن يونس : وهذا أظهر .

                                                                                                                [ ص: 213 ] فرع

                                                                                                                في الجواهر من كتاب الوديعة : إذا ظفر صاحب الدين بجنس حقه ، وقد تعذر عليه أخذ حقه مثل أن يجحده وديعته ، ثم يودع عنده فهل له جحد هذه الوديعة في الأولى ؟ خمسة أقوال : روى ابن القاسم في الكتاب المنع ، والكراهة رواها أشهب . وقال ابن عبد الحكم : واستحبه عبد الملك تخليصا للظالم من الظالم ، والخامس : أن هذا كله إذا لم يكن عليه دين فإن كان لم يأخذ إلا حصته ، وأصل هذه المسألة ما في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته هند أم معاوية - رضي الله عنه - فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح وغني ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم ، هل علي في ذلك من شيء ؟ فقال النبي - عليه السلام - : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . وهو يدل على ذكر العيب عند الحاجة ; لأنه - عليه السلام - لم ينكر عليها ذم الشح ومنع الحق ، وعلى وجوب نفقة الزوجة والولد على الزوج والوالد قدر الكفاية لقوله - عليه السلام - : ( ما يكفيك وولدك ) وعلى جواز قضاء القاضي بعلمه لاكتفائه بعلمه - عليه السلام - عن البينة وعلى القضاء على الغائب ; لأنه لم يكن حاضرا ، وعلى أخذ جنس الحق وغير جنسه إذا ظفر به من الملك ; لأنه - عليه السلام - أذن لها في أخذ ما يكفيها ، وهو أجناس من نفقة وكسوة وغيرهما ، وهذا إذن في البيع واستيفاء الحق من غير جنسه ; لأن الغالب في الشحيح أن هذه الأجناس ليست عنده ، ووافقنا ( ش ) على أخذ الجنس وغيره . وقال سفيان وغيره : لا يأخذ من جنس حقه . وقال أصحاب الرأي : يؤخذ أحد النقدين عن الآخر دون غيرهما .

                                                                                                                وقيل في هذا الحديث : إن قوله - عليه السلام - من باب الفتيا لا من باب القضاء ; لأن القضاء يتوقف على استيفاء الحجاج من الخصمين وحضور المدعى عليه ليجيب ويناضل عن نفسه ، ولم يكن شيء من ذلك . ومتى دار تصرفه - عليه السلام - بين القضاء والفتيا فالفتيا أرجح ; لأنه - عليه السلام - رسول مبلغ ، وهو الغالب عليه ، والتبليغ فتيا .

                                                                                                                وينبني على هذه القاعدة الخلاف في المسألة ، فإن قلنا تصرفه - عليه السلام - هاهنا [ ص: 214 ] بالفتيا جاز لكل أحد الأخذ بالشفعة من غير حاكم ، وإن قلنا : إنه تصرف بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ إلا بالقضاء ; لأنه كذلك شرع ، وهذه قاعدة شريفة بسطها في باب إحياء الموات وغيره ، يتخرج عليها شيء كثير في الشريعة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية