الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لم تأتهم بآية من القرآن عند تراخي الوحي ، أو بآية مما اقترحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا لولا اجتبيتها اجتبى الشيء بمعنى : جباه لنفسه ; أي : هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقولا ، يرون بذلك أن سائر الآيات أيضا كذلك ، أو هلا تلقيتها من ربك استدعاء .

                                                                                                                                                                                                                                      قل ردا عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي من غير أن يكون إلي دخل ما في ذلك أصلا ، على معنى تخصيص حاله صلى الله عليه وسلم باتباع ما يوحى إليه ، بتوجيه القصر المستفاد من كلمة " إنما " إلى نفس الفعل بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه صلى الله عليه وسلم ، لا على معنى تخصيص اتباعه صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه بتوجيه القصر إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخر ، كما هو الشائع في موارد الاستعمال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد مر تحقيقه في قوله تعالى : إن أتبع إلا ما يوحى إلي ، كأنه قيل : ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي منه تعالى ، وفي التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن المالكية والتبليغ إلى الكمال اللائق ، مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه صلى الله عليه وسلم ، والتنبيه على تأييده ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا إشارة إلى القرآن الكريم المدلول عليه بما يوحى إلي .

                                                                                                                                                                                                                                      بصائر من ربكم بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب ، وقيل : حجج بينة وبراهين نيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      و" من " متعلقة بمحذوف هو صفة لبصائر ، مفيدة لفخامتها ; أي : بصائر كائنة منه تعالى ، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ، لتأكيد وجوب الإيمان بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وهدى ورحمة عطف على بصائر ، وتقديم الظرف عليهما وتعقيبهما بقوله تعالى : لقوم يؤمنون للإيذان بأن كون القرآن بمنزلة البصائر للقلوب متحقق بالنسبة إلى الكل ، وبه تقوم الحجة على الجميع ، وأما كونه هدى ورحمة فمختص بالمؤمنين به ; إذ هم المقتسمون من أنواره والمغتنمون بآثاره ، والجملة من تمام القول المأمور به . [ ص: 310 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية