[ ص: 199 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير
هذا وعيد وتهديد عقب به الملام السابق ; لأن اللوم وقع على تثاقل حصل ، ولما كان التثاقل مفضيا إلى التخلف عن القتال ، صرح بالوعيد والتهديد إن يعودوا لمثل ذلك التثاقل ، فهو متعلق بالمستقبل كما هو مقتضى أداة الشرط . فالجملة مستأنفة لغرض الإنكار بعد اللوم . فإن كان هذا وعيدا فقد اقتضى أن خروج المخاطبين إلى الجهاد الذي استنفرهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وجب على أعيانهم كلهم بحيث لا يغني بعضهم عن بعض ، أي تعين الوجوب عليهم ، فيحتمل أن يكون التعيين بسبب تعيين الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياهم للخروج بسبب النفير العام ، وأن يكون بسبب كثرة العدو الذي استنفروا لقتاله ، بحيث وجب خروج جميع القادرين من المسلمين لأن جيش العدو كانوا مثلي عدد جيش المسلمين . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن هذا الحكم منسوخ نسخه قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة فيكون الجهاد قد سبق له حكم فرض العين ثم نقل إلى فرض الكفاية .
وهذا بناء على أن المراد بالعذاب الأليم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39يعذبكم عذابا أليما هو عذاب الآخرة كما هو المعتاد في إطلاق العذاب ووصفه بالأليم ، وقيل : المراد بالعذاب الأليم عذاب الدنيا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فلا يكون في الآية حجة على كون ذلك الجهاد واجبا على الأعيان ، ولكن الله توعدهم ، إن لم يمتثلوا أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام ، بأن يصيبهم بعذاب في الدنيا ، فيكون الكلام تهديدا لا وعيدا . وقد يرجح هذا الوجه بأنه قرن بعواقب دنيوية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39ويستبدل قوما غيركم . والعقوبات الدنيوية مصائب تترتب على إهمال أسباب النجاح وبخاصة ترك الانتصاح بنصائح الرسول - عليه الصلاة والسلام - كما أصابهم يوم أحد ، فالمقصود تهديدهم بأنهم إن تقاعدوا عن النفير هاجمهم العدو في ديارهم فاستأصلوهم وأتى الله بقوم غيرهم .
[ ص: 200 ] والأليم المؤلم ، فهو فعيل مأخوذ من الرباعي على خلاف القياس كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك آيات الكتاب الحكيم ، وقول عمرو بن معد يكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
أي المسمع .
وكتب في المصاحف إلا من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا بهمزة بعدها لام ألف على كيفية النطق بها مدغمة ، والقياس أن يكتب ( إن لا ) بنون بعد الهمزة ثم لام ألف .
والضمير المستتر في " يعذبكم " عائد إلى الله لتقدمه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38في سبيل الله . وتنكير " قوما " للنوعية إذ لا تعين لهؤلاء القوم ضرورة أنه معلق على شرط عدم النفير وهم قد نفروا لما استنفروا إلا عددا غير كثير وهم المخلفون .
( ويستبدل ) يبدل ، فالسين والتاء للتأكيد والبدل هو المأخوذ عوضا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108ومن يتبدل الكفر بالإيمان أي ويستبدل بكم غيركم .
والضمير في ( تضروه ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير ( يعذبكم ) والواو للحال : أي ( يعذبكم ويستبدل ) قوما غيركم في حال أن لا تضروا الله شيئا بقعودكم ، أي يصبكم الضر ولا يصب الذي استنفركم في سبيله ضر ، فصار الكلام في قوة الحصر ، كأنه قيل : إلا تنفروا لا تضروا إلا أنفسكم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39والله على كل شيء قدير تذييل للكلام لأنه يحقق مضمون لحاق الضر بهم لأنه قدير عليهم في جملة كل شيء ، وعدم لحاق الضر به لأنه قدير على كل شيء فدخلت الأشياء التي من شأنها الضر .
[ ص: 199 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
هَذَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ عُقِّبَ بِهِ الْمَلَامُ السَّابِقُ ; لِأَنَّ اللَّوْمَ وَقَعَ عَلَى تَثَاقُلٍ حَصَلَ ، وَلَمَّا كَانَ التَّثَاقُلُ مُفْضِيًا إِلَى التَّخَلُّفِ عَنِ الْقِتَالِ ، صَرَّحَ بِالْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ إِنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ التَّثَاقُلِ ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى أَدَاةِ الشَّرْطِ . فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِغَرَضِ الْإِنْكَارِ بَعْدَ اللَّوْمِ . فَإِنْ كَانَ هَذَا وَعِيدًا فَقَدِ اقْتَضَى أَنَّ خُرُوجَ الْمُخَاطَبِينَ إِلَى الْجِهَادِ الَّذِي اسْتَنْفَرَهُمْ إِلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَجَبَ عَلَى أَعْيَانِهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ لَا يُغْنِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، أَيْ تَعَيَّنَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْيِينُ بِسَبَبِ تَعْيِينِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُمْ لِلْخُرُوجِ بِسَبَبِ النَّفِيرِ الْعَامِّ ، وَأَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ الَّذِي اسْتُنْفِرُوا لِقِتَالِهِ ، بِحَيْثُ وَجَبَ خُرُوجُ جَمِيعِ الْقَادِرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ جَيْشَ الْعَدُوِّ كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَيَكُونُ الْجِهَادُ قَدْ سَبَقَ لَهُ حُكْمُ فَرْضِ الْعَيْنِ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ .
وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي إِطْلَاقِ الْعَذَابِ وَوَصْفِهِ بِالْأَلِيمِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ عَذَابُ الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَلَا يَكُونُ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْجِهَادِ وَاجِبًا عَلَى الْأَعْيَانِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهُمْ ، إِنْ لَمْ يَمْتَثِلُوا أَمْرَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، بِأَنْ يُصِيبَهُمْ بِعَذَابٍ فِي الدُّنْيَا ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ تَهْدِيدًا لَا وَعِيدًا . وَقَدْ يُرَجَّحُ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّهُ قُرِنَ بِعَوَاقِبَ دُنْيَوِيَّةٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ . وَالْعُقُوبَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَصَائِبُ تَتَرَتَّبُ عَلَى إِهْمَالِ أَسْبَابِ النَّجَاحِ وَبِخَاصَّةٍ تَرْكُ الِانْتِصَاحِ بِنَصَائِحِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَالْمَقْصُودُ تَهْدِيدُهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ تَقَاعَدُوا عَنِ النَّفِيرِ هَاجَمَهُمُ الْعَدُوُّ فِي دِيَارِهِمْ فَاسْتَأْصَلُوهُمْ وَأَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ غَيْرَهُمْ .
[ ص: 200 ] وَالْأَلِيمُ الْمُؤْلِمُ ، فَهُوَ فَعِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الرُّبَاعِيِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ، وَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ :
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعِ
أَيِ الْمُسْمَعِ .
وَكُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلَّا تَنْفِرُوا بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا لَامْ أَلِفْ عَلَى كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهَا مُدْغَمَةً ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُكْتَبَ ( إِنْ لَا ) بِنُونٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ثُمَّ لَامْ أَلِفْ .
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي " يُعَذِّبْكُمْ " عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ لِتَقَدُّمِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَتَنْكِيرُ " قَوْمًا " لِلنَّوْعِيَّةِ إِذْ لَا تَعَيُّنَ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطِ عَدَمِ النَّفِيرِ وَهُمْ قَدْ نَفَرُوا لَمَّا اسْتُنْفِرُوا إِلَّا عَدَدًا غَيْرَ كَثِيرٍ وَهُمُ الْمُخَلَّفُونَ .
( وَيَسْتَبْدِلْ ) يُبَدِّلْ ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْبَدَلُ هُوَ الْمَأْخُوذُ عِوَضًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=108وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ أَيْ وَيَسْتَبْدِلْ بِكُمْ غَيْرَكُمْ .
وَالضَّمِيرُ فِي ( تَضُرُّوهُ ) عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ ( يُعَذِّبْكُمْ ) وَالْوَاوُ لِلْحَالِ : أَيْ ( يُعَذِّبْكُمْ وَيَسْتَبْدِلْ ) قَوْمًا غَيْرَكُمْ فِي حَالِ أَنْ لَا تَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا بِقُعُودِكُمْ ، أَيْ يُصِبْكُمُ الضُّرُّ وَلَا يُصِبِ الَّذِي اسْتَنْفَرَكُمْ فِي سَبِيلِهِ ضُرٌّ ، فَصَارَ الْكَلَامُ فِي قُوَّةِ الْحَصْرِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَّا تَنْفِرُوا لَا تَضُرُّوا إِلَّا أَنْفُسَكُمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ لِأَنَّهُ يُحَقِّقُ مَضْمُونَ لَحَاقِ الضُّرِّ بِهِمْ لِأَنَّهُ قَدِيرٌ عَلَيْهِمْ فِي جُمْلَةِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَعَدَمُ لَحَاقِ الضُّرِّ بِهِ لِأَنَّهُ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَدَخَلَتِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الضُّرُّ .