الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أشعب الطامع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، هو ابن جبير أبو العلاء ، ويقال : أبو إسحاق المدني . ويقال له : ابن أم حميدة . وكان أبوه مولى لابن الزبير ، قتله المختار ، وهو خال الواقدي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 431 ] روى عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمين . وروى عن أبان بن عثمان ، وسالم ، وعكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ظريفا ماجنا يحبه أهل زمانه لخلاعته وطمعه ، وكان يجيد الغناء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد وفد على الوليد بن يزيد دمشق . فترجمه ابن عساكر بترجمة فيها أشياء مضحكة ، وأسند عنه حديثين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي عنه أنه سئل يوما أن يحدث فقال : حدثني عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خصلتان من عمل بهما دخل الجنة ثم سكت ، فقيل له : وما هما؟ فقال : نسي عكرمة الواحدة ، ونسيت أنا الأخرى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان سالم بن عبد الله بن عمر يستخفه ويستخليه ، ويضحك منه ، ويأخذه معه إلى الغابة ، وكذلك كان غيره من أكابر الناس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشافعي : عبث الولدان يوما بأشعب ، فقال : إن هاهنا أناسا يفرقون الجوز . فتسارعوا إلى ذلك ، فلما رآهم مسرعين قال : لعله حق . فتبعهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 432 ] وقال له بعضهم : ما بلغ من طمعك؟ فقال . ما زفت عروس بالمدينة إلا رجوت أن تزف إلي فكسحت داري ونظفت ثيابي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واجتاز يوما برجل يصنع طبقا من قش ، فقال : زد فيه طورا أو طورين لعله يهدى لنا فيه يوما هدية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ ابن عساكر أن أشعب غنى يوما لسالم بن عبد الله بن عمر قول بعض الشعراء :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مغيرية كالبدر سنة وجهها مطهرة الأثواب والدين وافر     لها حسب زاك وعرض مهذب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعن كل مكروه من الأمر زاجر     من الخفرات البيض لم تلق ريبة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يستملها عن تقى الله شاعر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال له سالم : أحسنت ، زدنا . فغناه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألمت بنا والليل داج كأنه     جناح غراب عنه قد نفض القطرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقلت أعطار ثوى في رحالنا     وما حملت ليلى سوى ريحها عطرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال له : أحسنت ، ولولا أن يتحدث الناس لأجزلت لك الجائزة ، وإنك من الأمر بمكان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي جعفر بن برقان ، والحكم بن أبان ، وعبد الرحمن بن [ ص: 433 ] يزيد بن جابر ، وقرة بن خالد ، وأبو عمرو بن العلاء ، أحد أئمة القراء ، واسمه كنيته ، وقيل : اسمه زبان . والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري ، وقيل غير ذلك في نسبه ، كان علامة زمانه في اللغة والنحو وعلم القرآن ، ومن كبار العلماء العاملين ، يقال : إنه كتب ملء بيت من كلام العرب ، ثم تزهد ، فأحرقه ثم راجع الأمر الأول ، فلم يكن عنده سوى ما كان يحفظه من كلام العرب ، وكان قد لقي خلقا من أعراب الجاهلية ، وكان مقدما أيام الحسن البصري وبعده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن اختياراته الغريبة قوله في تفسير الغرة في الجنين : إنها لا يقبل فيها إلا أبيض غلاما كان أو جارية . وفهم ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام : غرة عبد أو أمة قال : ولو أريد أي عبد كان أو جارية لما قيده بالغرة ، وإنما الغرة البياض . قال القاضي ابن خلكان : وهذا غريب ، ولا أعلم هل يوافق قول أحد من الأئمة المجتهدين أم لا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 434 ] وذكروا أنه كان إذا دخل شهر رمضان لا ينشد فيه بيتا من الشعر حتى ينسلخ ، وأنه كان يشتري له كل يوم كوزا جديدا وريحانا طريا ، وقد صحبه الأصمعي نحوا من عشر سنين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت وفاته في هذه السنة ، وقيل : في سنة ست وخمسين . وقيل : سبع وخمسين ومائة . فالله أعلم . وقبره بالشام . وقيل : بالكوفة . وقد قارب التسعين ، وقيل : إنه جاوزها . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى ابن عساكر في ترجمة صالح بن علي بن عبد الله بن العباس ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عباس ، مرفوعا : لأن يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة جرو كلب خير له من أن يربي ولدا لصلبه . وهذا منكر جدا ، وفي إسناده نظر . ذكره من فوائد تمام ، عن خيثمة بن سليمان ، عن محمد بن عوف الحمصي ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن السمط ، عن صالح ، به . وعبد الله بن السمط هذا لا أعرفه ، وقد ذكره شيخنا الحافظ الذهبي في كتابه " الميزان " ، وقال : روى عن صالح بن علي حديثا موضوعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية