nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا
استئناف بياني لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير لأن نفي أن يكون قعودهم عن النفير مضرا بالله ورسوله ، يثير في نفس السامع سؤالا عن
[ ص: 201 ] حصول النصر بدون نصير ، فبين بأن الله ينصره كما نصره حين كان ثاني اثنين لا جيش معه ، فالذي نصره حين كان ثاني اثنين قدير على نصره وهو في جيش عظيم ، فتبين أن تقدير قعودهم عن النفير لا يضر الله شيئا .
والضمير المنصوب بـ ( تنصروه ) عائد إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يتقدم له ذكر ; لأنه واضح من المقام .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فقد نصره الله جواب للشرط ، جعلت جوابا له لأنها دليل على معنى الجواب المقدر لكونها في معنى العلة للجواب المحذوف : فإن مضمون
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فقد نصره الله قد حصل في الماضي فلا يكون جوابا للشرط الموضوع للمستقبل ، فالتقدير : إن لا تنصروه فهو غني عن نصرتكم بنصر الله إياه إذ قد نصره في حين لم يكن معه إلا واحد لا يكون به نصر ، فكما نصره يومئذ ينصره حين لا تنصرونه . وسيجيء في الكلام بيان هذا النصر بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها الآية .
ويتعلق " إذ أخرجه " بـ ( نصره ) أي زمن إخراج الكفار إياه ، أي من
مكة ، والمراد خروجه مهاجرا . وأسند الإخراج إلى الذين كفروا لأنهم تسببوا فيه بأن دبروا لخروجه غير مرة كما قال - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ، وبأن آذوه وضايقوه في الدعوة إلى الدين ، وضايقوا المسلمين بالأذى والمقاطعة ، فتوفرت أسباب خروجه ولكنهم كانوا مع ذلك يترددون في تمكينه من الخروج خشية أن يظهر أمر الإسلام بين ظهراني قوم آخرين ، فلذلك كانوا في آخر الأمر مصممين على منعه من الخروج ، وأقاموا عليه من يرقبه وحاولوا الإرسال وراءه ليردوه إليهم ، وجعلوا لمن يظفر به جزاء جزلا ، كما جاء في حديث
سراقة بن جعشم .
كتب في المصاحف " إلا " من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه بهمزة بعدها لام ألف ، على كيفية النطق بها مدغمة ، والقياس أن تكتب ( إن لا ) - بهمزة فنون فلام ألف - لأنهما حرفان : ( إن ) الشرطية و ( لا ) النافية ، ولكن رسم المصحف سنة متبعة ، ولم تكن للرسم في القرن الأول قواعد متفق عليها ، ومثل ذلك كتب
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض [ ص: 202 ] في سورة الأنفال . وهم كتبوا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14بل ران في سورة المطففين بلام بعد الباء وراء بعدها ، ولم يكتبوها بباء وراء مشددة بعدها .
وقد أثار رسم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه بهذه الصورة في المصحف خشية توهم متوهم أن إلا هي حرف الاستثناء فقال
ابن هشام في مغني اللبيب : " تنبيه ليس من أقسام ( إلا ) ، ( إلا ) التي في نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه فقد نصره الله وإنما هذه كلمتان ( إن ) الشرطية و ( لا ) النافية ومن العجب أن
ابن مالك على إمامته ذكرها في شرح التسهيل من أقسام إلا ولم يتبعه
الدماميني في شروحه الثلاثة على المغني ولا الشمني . وقال الشيخ
محمد الرصاع في كتاب الجامع الغريب لترتيب آي مغني اللبيب : " وقد رأيت لبعض أهل العصر المشارقة ممن اعتنى بشرح هذا الكتاب - أي التسهيل - أخذ يعتذر عن
ابن مالك والإنصاف أن فيه بعض الإشكال " . وقال الشيخ
محمد الأمير في تعليقه على المغني " ليس ما في شرح التسهيل نصا في ذلك وهو يوهمه فإنه عرف المستثنى بالمخرج بـ ( إلا ) وقال " واحترزت عن ( إلا ) بمعنى إن لم ومثل بالآية ، أي فلا إخراج فيها " . وقلت عبارة متن التسهيل " المستثنى هو المخرج تحقيقا أو تقديرا من مذكور أو متروك بإلا أو ما بمعناها " ، ولم يعرج شارحه
المرادي ولا شارحه
الدماميني على كلامه الذي احترز به في شرحه ولم نقف على شرح
ابن مالك على تسهيله ، وعندي أن الذي دعا
ابن مالك إلى هذا الاحتراز هو ما وقع
للأزهري من قوله " إلا تكون استثناء وتكون حرف جزاء أصلها ( إن لا ) نقله صاحب لسان العرب . وصدوره من مثله يستدعي التنبيه عليه .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثاني اثنين حال من ضمير النصب في " أخرجه " ، والثاني كل من به كان العدد اثنين فالثاني اسم فاعل أضيف إلى الاثنين على معنى ( من ) ، أي ثانيا من اثنين ، والاثنان هما النبيء - صلى الله عليه وسلم -
وأبو بكر : بتواتر الخبر ، وإجماع المسلمين كلهم . ولكون الثاني معلوما للسامعين كلهم لم يحتج إلى ذكره ، وأيضا لأن المقصود تعظيم هذا النصر مع قلة العدد .
و ( إذ ) التي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ هما في الغار بدل من ( إذ ) التي في قوله : ( إذ أخرجه ) فهو زمن واحد وقع فيه الإخراج ، باعتبار الخروج ، والكون في الغار .
[ ص: 203 ] والتعريف في الغار للعهد ، لغار يعلمه المخاطبون ، وهو الذي اختفى فيه النبيء - صلى الله عليه وسلم -
وأبو بكر حين خروجهما مهاجرين إلى
المدينة ، وهو غار في جبل ثور خارج
مكة إلى جنوبيها ، بينه وبين
مكة نحو خمسة أميال ، في طريق جبلي .
والغار الثقب في التراب أو الصخر .
و إذ المضافة إلى جملة " يقول " بدل من إذ المضافة إلى جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40هما في الغار . بدل اشتمال .
والصاحب هو
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثاني اثنين وهو
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق . ومعنى الصاحب : المتصف بالصحبة ، وهي المعية في غالب الأحوال ، ومنه سميت الزوجة صاحبة ، كما تقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101ولم تكن له صاحبة في سورة الأنعام . وهذا القول صدر من النبيء - صلى الله عليه وسلم -
لأبي بكر حين كانا مختفيين في غار ثور ، فكان
أبو بكر حزينا إشفاقا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يشعر به المشركون ، فيصيبوه بمضرة ، أو يرجعوه إلى
مكة .
والمعية هنا : معية الإعانة والعناية ، كما حكى الله - تعالى - عن موسى وهارون
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قال لا تخافا إنني معكما وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لِأَنَّ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ قُعُودُهُمْ عَنِ النَّفِيرِ مُضِرًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، يُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ سُؤَالًا عَنْ
[ ص: 201 ] حُصُولِ النَّصْرِ بِدُونِ نَصِيرٍ ، فَبَيَّنَ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَهُ حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ لَا جَيْشَ مَعَهُ ، فَالَّذِي نَصَرَهُ حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ قَدِيرٌ عَلَى نَصْرِهِ وَهُوَ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَقْدِيرَ قُعُودِهِمْ عَنِ النَّفِيرِ لَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا .
وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ بِـ ( تَنْصُرُوهُ ) عَائِدٌ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ ; لِأَنَّهُ وَاضِحٌ مِنَ الْمَقَامِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ ، جُعِلَتْ جَوَابًا لَهُ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى مَعْنَى الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ : فَإِنَّ مَضْمُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ قَدْ حَصَلَ فِي الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُسْتَقْبَلِ ، فَالتَّقْدِيرُ : إِنْ لَا تَنْصُرُوهُ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ نُصْرَتِكُمْ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِذْ قَدْ نَصَرَهُ فِي حِينِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا وَاحِدٌ لَا يَكُونُ بِهِ نَصْرٌ ، فَكَمَا نَصَرَهُ يَوْمَئِذٍ يَنْصُرُهُ حِينَ لَا تَنْصُرُونَهُ . وَسَيَجِيءُ فِي الْكَلَامِ بَيَانُ هَذَا النَّصْرِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا الْآيَةَ .
وَيَتَعَلَّقُ " إِذْ أَخْرَجَهُ " بِـ ( نَصَرَهُ ) أَيْ زَمَنَ إِخْرَاجِ الْكُفَّارِ إِيَّاهُ ، أَيْ مِنْ
مَكَّةَ ، وَالْمُرَادُ خُرُوجُهُ مُهَاجِرًا . وَأَسْنَدَ الْإِخْرَاجَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِيهِ بِأَنْ دَبَّرُوا لِخُرُوجِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=30وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ، وَبِأَنْ آذَوْهُ وَضَايَقُوهُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ ، وَضَايَقُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى وَالْمُقَاطَعَةِ ، فَتَوَفَّرَتْ أَسْبَابُ خُرُوجِهِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَتَرَدَّدُونَ فِي تَمْكِينِهِ مِنَ الْخُرُوجِ خَشْيَةَ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ آخَرِينَ ، فَلِذَلِكَ كَانُوا فِي آخِرِ الْأَمْرِ مُصَمِّمِينَ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الْخُرُوجِ ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ مَنْ يَرْقُبُهُ وَحَاوَلُوا الْإِرْسَالَ وَرَاءَهُ لِيَرُدُّوهُ إِلَيْهِمْ ، وَجَعَلُوا لِمَنْ يَظْفَرُ بِهِ جَزَاءً جَزِلًا ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ
سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ .
كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ " إِلَّا " مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا لَامْ أَلِفْ ، عَلَى كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهَا مُدْغَمَةً ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُكْتَبَ ( إِنْ لَا ) - بِهَمْزَةٍ فَنُونٍ فَلَامْ أَلِفْ - لِأَنَّهُمَا حَرْفَانِ : ( إِنْ ) الشَّرْطِيَّةُ وَ ( لَا ) النَّافِيَةُ ، وَلَكِنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ، وَلَمْ تَكُنْ لِلرَّسْمِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ قَوَاعِدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كُتِبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=73إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ [ ص: 202 ] فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ . وَهُمْ كَتَبُوا قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=14بَلْ رَانَ فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ بِلَامٍ بَعْدَ الْبَاءِ وَرَاءٍ بَعْدَهَا ، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا بِبَاءٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَهَا .
وَقَدْ أَثَارَ رَسْمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْمُصْحَفِ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أَنَّ إِلَّا هِيَ حَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ
ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ : " تَنْبِيهٌ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ ( إِلَّا ) ، ( إِلَّا ) الَّتِي فِي نَحْوِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا هَذِهِ كَلِمَتَانِ ( إِنْ ) الشَّرْطِيَّةُ وَ ( لَا ) النَّافِيَةُ وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ
ابْنَ مَالِكٍ عَلَى إِمَامَتِهِ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ مِنْ أَقْسَامِ إِلَّا وَلَمْ يَتْبَعْهُ
الدَّمَامِينِيُّ فِي شُرُوحِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمُغْنِي وَلَا الشُّمُنِّيُّ . وَقَالَ الشَّيْخُ
مُحَمَّدٌ الرَّصَّاعُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ الْغَرِيبِ لِتَرْتِيبِ آيِ مُغْنِي اللَّبِيبِ : " وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْمَشَارِقَةِ مِمَّنِ اعْتَنَى بِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ - أَيِ التَّسْهِيلِ - أَخَذَ يَعْتَذِرُ عَنِ
ابْنِ مَالِكٍ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْإِشْكَالِ " . وَقَالَ الشَّيْخُ
مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُغْنِي " لَيْسَ مَا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَهُوَ يُوهِمُهُ فَإِنَّهُ عَرَّفَ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُخْرِجِ بِـ ( إِلَّا ) وَقَالَ " وَاحْتَرَزْتُ عَنْ ( إِلَّا ) بِمَعْنَى إِنْ لَمْ وَمَثَّلَ بِالْآيَةِ ، أَيْ فَلَا إِخْرَاجَ فِيهَا " . وَقُلْتُ عِبَارَةُ مَتْنِ التَّسْهِيلِ " الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْمُخْرَجُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا مِنْ مَذْكُورٍ أَوْ مَتْرُوكٍ بِإِلَا أَوْ مَا بِمَعْنَاهَا " ، وَلَمْ يُعَرِّجْ شَارِحُهُ
الْمُرَادِيُّ وَلَا شَارِحُهُ
الدَّمَامِينِيُّ عَلَى كَلَامِهِ الَّذِي احْتَرَزَ بِهِ فِي شَرْحِهِ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى شَرْحِ
ابْنِ مَالِكٍ عَلَى تَسْهِيلِهِ ، وَعِنْدِي أَنَّ الَّذِي دَعَا
ابْنَ مَالِكٍ إِلَى هَذَا الِاحْتِرَازِ هُوَ مَا وَقَعَ
لِلْأَزْهَرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ " إِلَّا تَكُونُ اسْتِثْنَاءً وَتَكُونُ حَرْفَ جَزَاءٍ أَصْلُهَا ( إِنْ لَا ) نَقَلَهُ صَاحِبُ لِسَانِ الْعَرَبِ . وَصُدُورُهُ مِنْ مِثْلِهِ يَسْتَدْعِي التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثَانِيَ اثْنَيْنِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي " أَخْرَجَهُ " ، وَالثَّانِي كُلُّ مَنْ بِهِ كَانَ الْعَدَدُ اثْنَيْنِ فَالثَّانِي اسْمُ فَاعِلٍ أُضِيفَ إِلَى الِاثْنَيْنِ عَلَى مَعْنَى ( مِنْ ) ، أَيْ ثَانِيًا مِنَ اثْنَيْنِ ، وَالِاثْنَانِ هُمَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبُو بَكْرٍ : بِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ . وَلِكَوْنِ الثَّانِي مَعْلُومًا لِلسَّامِعِينَ كُلِّهِمْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ ، وَأَيْضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ هَذَا النَّصْرِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ .
وَ ( إِذْ ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ بَدَلٌ مِنْ ( إِذْ ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ : ( إِذْ أَخْرَجَهُ ) فَهُوَ زَمَنٌ وَاحِدٌ وَقَعَ فِيهِ الْإِخْرَاجُ ، بِاعْتِبَارِ الْخُرُوجِ ، وَالْكَوْنُ فِي الْغَارِ .
[ ص: 203 ] وَالتَّعْرِيفُ فِي الْغَارِ لِلْعَهْدِ ، لِغَارٍ يَعْلَمُهُ الْمُخَاطَبُونَ ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَفَى فِيهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ خُرُوجِهِمَا مُهَاجِرَيْنِ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ غَارٌ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ خَارِجَ
مَكَّةَ إِلَى جَنُوبِيِّهَا ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مَكَّةَ نَحْوَ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ ، فِي طَرِيقٍ جَبَلِيٍّ .
وَالْغَارُ الثُّقْبُ فِي التُّرَابِ أَوِ الصَّخْرِ .
وَ إِذِ الْمُضَافَةُ إِلَى جُمْلَةِ " يَقُولُ " بَدَلٌ مِنْ إِذِ الْمُضَافَةِ إِلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40هُمَا فِي الْغَارِ . بَدَلَ اشْتِمَالٍ .
وَالصَّاحِبُ هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثَانِيَ اثْنَيْنِ وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ . وَمَعْنَى الصَّاحِبِ : الْمُتَّصِفُ بِالصُّحْبَةِ ، وَهِيَ الْمَعِيَّةُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الزَّوْجَةُ صَاحِبَةً ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ . وَهَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ مِنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِأَبِي بَكْرٍ حِينَ كَانَا مُخْتَفِيَيْنِ فِي غَارِ ثَوْرٍ ، فَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ حَزِينًا إِشْفَاقًا عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْعُرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ ، فَيُصِيبُوهُ بِمَضَرَّةٍ ، أَوْ يُرْجِعُوهُ إِلَى
مَكَّةَ .
وَالْمَعِيَّةُ هُنَا : مَعِيَّةُ الْإِعَانَةِ وَالْعِنَايَةِ ، كَمَا حَكَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=12إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ