الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( كتاب التدبير ) هو لغة : النظر : في عواقب [ ص: 379 ] الأمور وشرعا : تعليق عتق بالموت وحده ، أو مع شيء قبله من الدبر

                                                                                                                              ؛ لأن الموت دبر الحياة ولا يرد عليه العتق من رأس المال في إذا مت فأنت حر قبل موتي بشهر ، أو يوم مثلا فمات فجأة ؛ لأنه ليس تعليقا بالموت وإنما يتبين به أنه عتق قبله فعلم أنه متى علقه بوقت قبل الموت ، أو بعده كان محض تعليق لا تدبير فلا يرجع فيه بالقول قطعا ويعتق من رأس المال إن خلا الوقت عن مرض الموت ، أو زاد على مدته كما يأتي وأصله قبل الإجماع تقريره صلى الله عليه وسلم لمن دبر غلاما لا يملك غيره عليه . وأركانه : مالك وشرطه : تكليف إلا في السكران واختيار ، ومحل ، وشرط كونه قنا غير أم ولد كما يعلمان من كلامه ، وصيغة وشرطها : الإشعار به لفظا كانت ، أو كتابة ، أو إشارة وهي صريح أو كناية و ( صريحه ) ألفاظ : منها ( أنت حر بعد موتي ، أو إذا مت ، أو متى مت فأنت حر ) ، أو عتيق ( أو أعتقتك ) ، أو حررتك ( بعد موتي ) ونحو ذلك من كل ما لا يحتمل غيره . ونازع البلقيني في إذا مت أعتقتك ، أو حررتك بأنه وعد نحو إن أعطيتني ألف درهم طلقتك ويجاب بأن ما بعد الموت لا يحتمل الوعد ، بخلاف ما في الحياة على أن ما أطلقه في طلقتك مر فيه ما يرده ( وكذا دبرتك ، أو أنت مدبر على المذهب ) ؛ لأن التدبير معروف في الجاهلية وقرره الشرع واشتهر في معناه فلا يستعمل في غيره وبه فارق ما يأتي في كاتبتك أنه لا بد أن يضم له فإذا أديت فأنت حر ، أو نحوه . ويصح تدبير نحو نصفه ، أو بعضه فيعينه وارثه ولا يسري لا نحو يده كما اقتضاه كلام الرافعي واعتمده الزركشي وغيره ويفرق بينه وبين العتق بأنه أقوى [ ص: 380 ] فأثر التعبير فيه بالبعض عن الجملة ، بخلاف التدبير ، ومن ثم لو قال : إن مت فيدك حرة فمات عتق كله ؛ لأن هذا يشبه العتق المنجز من حيث لزومه بالموت ، بخلاف دبرتها

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب التدبير ) [ ص: 379 ] قوله : على أن ما أطلقه في طلقتك مر فيه ما يرده ) أي : إذ قد يريد بطلقتك معنى فأنت طالق فيكون تعليقا . ( قوله : ويصح تدبير نحو نصفه ، أو بعضه فيعينه ) أي : وفي دبرت يدك مثلا وجهان : أصحهما أنه تدبير صحيح في جميعه ؛ لأن كل تصرف قبل التعليق تصح إضافته إلى بعض محله وما لا فلا وظاهر أنه لو لفظ بصريح التدبير أعجمي لا يعرف معناه لم يصح وأنه لو كسر التاء للمذكر وفتحها للمؤنث لم يضر ش م ر ( قوله : لا نحو يده إلخ ) عبارة الروض ودبرت نصفك صحيح ، ولا يسري ودبرت يدك هل هو لغو أم تدبير صحيح ؟ وجهان . ا هـ . قال [ ص: 380 ] في شرحه : كنظيره في القذف قال الرافعي : وقضيته ترجيح الأول وهو الظاهر كما قاله الزركشي ا هـ . وأقول : قد يقال : قضية قاعدة أن ما قبل التعليق تصح إضافته إلى بعض محله ترجيح الثاني ؛ لأن التدبير يقبل التعليق كما سيأتي فليتأمل ، نعم قوله في شرحه عقب هل هو لغو ؟ : يعني ليس بصريح يقتضي أن الخلاف في مجرد الصراحة . وعبارة العباب ، وإن نجز تدبير يده مثلا فهل يلغو ، أو يكون تدبيرا لكله ؟ وجهان كنظيره في القذف ، وإن علقه كإذا مت فيدك حر صح فإذا مات عتق كله . ا هـ . وكان وجه عتق الكل أن هذا العتق ليس من باب السراية ؛ لأن الجزء المعين كاليد لا يتصور اتصافه وحده بالعتق بخلاف الجزء الشائع ولو كان هذا العتق من باب السراية لم يعتق كله ؛ إذ لا سراية بعد الموت ، لكن قولنا ؛ لأن الجزء المعين كاليد لا يتصور اتصافه وحده بالعتق فيه نظر ؛ لأن هذا لا يمنع صحة السراية بدليل نظيره في الطلاق إلا أن يفرق فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : فأثر التعبير فيه بالبعض ) يتأمل مع ما رجحه فيما تقدم في العتق فيما إذا أضافه لجزء إن عتق الجميع بطريق السراية . ( قوله : من حيث لزومه إلخ ) هل المراد إن خرج من الثلث كما هو حكم التدبير ؟ ( قوله : بخلاف دبرتها ) يتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب التدبير )

                                                                                                                              . ( قوله : هو لغة ) إلى قوله : ولا يرد في المغني إلا قوله : أو مع شيء قبله وإلى قوله : وهنا في الإرشاد في النهاية إلا قوله : فعلم إلى وأصله وقوله : على أن ما أطلقه إلى المتن وقوله : أو بعضه فيعينه وارثه وقوله : لا نحو يده إلى المتن وقوله : فإن قلت إلى المتن وقوله : ومن ثم إلى المتن وقوله : ومن التدبير المقيد لا المعلق خلافا لبعضهم . ( قوله : النظر في عواقب [ ص: 379 ] الأمور ) أي : التأمل فيها ومنه قوله : عليه الصلاة والسلام التدبير نصف المعيشة عناني . ( قوله : أو مع شيء قبله ) أي : بخلافه مع شيء بعده فإنه تعليق عتق بصفة كما سيأتي رشيدي و ع ش . ( قوله : من الدبر ) أي : ولفظ التدبير مأخوذ من الدبر مغني . ( قوله : لأن الموت إلخ ) أي : سمي ؛ لأن إلخ نهاية . ( قوله : ولا يرد عليه ) أي : على تعريف التدبير منعا . ( قوله : فمات فجأة ) أي : أو بمرض لا يستغرق شهرا ، أو يوما كما يؤخذ ذلك من قوله في الفصل الآتي عند قول المتن : ويعتق بالموت من الثلث إلخ وحيلة عتق كله إلخ ع ش ويصرح بذلك قول الشارح الآتي آنفا : فعلم أنه إلخ . ( قوله : وإنما يتبين به إلخ ) أي : بالموت ( قوله : فلا يرجع ) ببناء المفعول ( قوله : إن خلا الوقت ) أي : الذي قبل الموت وعلق به العتق ( قوله : على مدته ) أي : مرض الموت ( قوله : كما يأتي ) أي : في الفصل الآتي . ( قوله : تقريره إلخ ) عبارة شيخ الإسلام خبر الصحيحين { أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي صلى الله عليه وسلم } فتقريره له وعدم إنكاره يدل على جوازه واسم الغلام يعقوب ومدبره أبو مذكور الأنصاري . ا هـ . زاد المغني وفي سنن الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم باعه بعد الموت ونسب إلى الخطأ . ا هـ . عبارة البجيرمي قوله : فباعه إلخ وبيعه صلى الله عليه وسلم كان بالولاية العامة والنظر في المصالح وباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل ثمنه إلى سيده وقال : اقض دينك ابن شرف على التحرير وقوله : فتقريره إلخ أي : حيث لم يقل لا عبرة بهذا التدبير سم . ا هـ . بجيرمي . ( قوله : وأركانه مالك إلخ ) عبارة المنهج مع شرحه وأركانه ثلاثة صيغة ومالك ومحل وشرط فيه كونه رقيقا غير أم ولد ؛ لأنها تستحق العتق بجهة أقوى من التدبير وشرط في الصيغة لفظ يشعر به وفي معناه ما مر في الضمان إما صريح إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : إلا في السكران ) أو المتعدي . ( قوله : واختيار ) ينبغي أن محل اشتراط الاختيار ما لم ينذره فإن نذره فأكره على ذلك صح تدبيره ع ش . ( قوله كما يعلمان ) أي : اشتراط المالك بما ذكر واشتراط المحل بما ذكر ( قوله : أو كتابة ، أو إشارة ) في إدخالهما في الصيغة تسامح والأولى صنيع شرح المنهج المار آنفا . ( قوله : ألفاظ منها أنت حر إلخ ) أي : فما يوهمه كلامه من الحصر فيما ذكره ليس بمراد فلو قال مثل كذا كان أولى مغني . ( قول المتن : أو أعتقتك إلخ ) عطف على أنت حر بعد موتي . ( قوله : ونحو ذلك إلخ ) كأنت مفكوك الرقبة بعد موتي مغني . ( قوله : بأنه وعد ) أي فيكون لغوا ع ش . ( قوله : مر فيه ما يرده ) أي : إذ قد يريد بطلقتك معنى فأنت طالق فيكون تعليقا سم . ( قول المتن : وكذا دبرتك ، أو أنت مدبر ) أي : بلا احتياج مادة التدبير إلى أن يقول بعد موتي بخلاف غيرها كما يؤخذ من صنيعه بجيرمي . ( قوله : ويصح ) إلى قوله : ويفرق في المغني إلا قوله : أو بعضه فيعينه وارثه . ( قوله : لا نحو يده إلخ ) وفاقا للأسنى والمغني والعباب وخلافا للنهاية ووافقه سم عبارة النهاية وفي دبرت يدك مثلا وجهان أصحهما أنه تدبير صحيح في جميعه ؛ لأن كل تصرف قبل التعليق تصح إضافته إلى بعض محله وما لا فلا وظاهر أنه لو لفظ بصريح عجمي لا يعرف معناه لم يصح وإنه لو كسر التاء للمذكر وفتحها للمؤنث لم يضر . ا هـ . وفي سم بعد ذكرها ما نصه عبارة الروض ودبرت نصفك صحيح ولا يسري ودبرت يدك هل هو لغو أم تدبير صحيح وجهان . ا هـ . قال في شرحه : كنظيره في القذف قاله الرافعي وقضيته ترجيح الأول وهو الظاهر كما قاله الزركشي . ا هـ . وأقول : قد يقال : قضية قاعدة أن ما قبل التعليق صح إضافته إلى بعض محله ترجيح الثاني ؛ لأن التدبير يقبل التعليق كما سيأتي فليتأمل نعم قوله : في شرحه عقب فهل هو لغو يعني ليس بصريح يقتضي أن الخلاف في مجرد الصراحة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بينه ) أي : التدبير [ ص: 380 ] قوله فأثر التعبير فيه بالبعض إلخ ) يتأمل مع ما رجحه فيما تقدم في العتق فيما إذا أضافه لجزء أن عتق الجميع بطريق السراية سم . ( قوله : ومن ثم ) أي : لأجل كون العتق أقوى من التدبير ( قوله : لو قال : إن مت إلخ ) عبارة العباب ، وإن نجز تدبيره أي اليد مثلا فهل يلغو ، أو يكون تدبيرا لكله وجهان كنظيره في القذف ، وإن علقه كإذا مت فيدك حر صح فإذا مات عتق كله انتهت وكان وجه عتق الكل أن هذا العتق ليس من باب السراية ؛ لأن الجزء المعين كاليد لا يتصور اتصافه وحده بالعتق بخلاف الجزء الشائع ولو كان هذا العتق من باب السراية لم يعتق كله إذ لا سراية بعد الموت . ا هـ . سم بحذف . ( قوله : من حيث لزومه بالموت ) هل المراد إن خرج من الثلث كما هو حكم التدبير ؟ سم وظاهر أن الأمر كذلك . ( قوله : بخلاف دبرتها ) يتأمل سم ولعل وجه التأمل أن قول الشارح هذا لو رجع إلى قوله ؛ لأن هذا يشبه العتق المنجز إلخ فظاهر المنع أو إلى ما قبله ففيه مصادرة




                                                                                                                              الخدمات العلمية