الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من كان آخر قوله لا إله إلا الله وتلقين المحتضر وتوجيهه وتغميض الميت والقراءة عنده

                                                                                                                                            1365 - ( عن معاذ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده صالح بن أبي عريب قال ابن القطان : لا يعرف وأعل الحديث به ، وتعقب بأنه روى عنه جماعة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، [ ص: 26 ] وقد عزا هذا الحديث ابن معين إلى الصحيحين فغلط فإنه ليس فيهما ، والذي فيهما لم يقيد بالموت ، ولكنه روى مسلم من حديث عثمان { : من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة } .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة عند الطبراني بلفظ : { من قال عند موته لا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله لا تطعمه النار أبدا } وفي إسناده جابر بن يحيى الحضرمي .

                                                                                                                                            وأخرج النسائي نحوه عن أبي هريرة وحده وأخرج مسلم من حديث أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة } .

                                                                                                                                            وأخرج الحاكم عن عمر مرفوعا : { إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار : لا إله إلا الله } وفي الباب أيضا عن طلحة وعبادة وعمر عند أبي نعيم في الحلية وعن ابن مسعود عند الخطيب مثل حديث الباب وعن حذيفة عنده أيضا بنحوه وعن جابر وابن عمر عند الدارقطني في العلل بنحوه أيضا والحديث فيه دليل على نجاة من كان آخر قوله لا إله إلا الله من النار ، واستحقاقه لدخول الجنة .

                                                                                                                                            وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أن مجرد قوله : لا إله إلا الله من موجبات دخول الجنة من غير تقييد بحال الموت ، فبالأولى أن توجب ذلك إذا قالها في وقت لا تتعقبه معصية

                                                                                                                                            1366 - ( وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لقنوا موتاكم لا إله إلا الله } رواه الجماعة إلا البخاري ) وفي الباب عن أبي هريرة عند مسلم بمثل حديث أبي سعيد ، ورواه ابن حبان عنه .

                                                                                                                                            وزاد : { فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه ما أصابه قبل ذلك } وعنه أيضا حديث آخر بلفظ : { إذا ثقلت مرضاكم فلا تملوهم قول لا إله إلا الله ، ولكن لقنوهم فإنه لم يختم به لمنافق قط } وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك وعن عائشة عند النسائي بنحو حديث الباب وعن عبد الله بن جعفر عند ابن ماجه وزاد { الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين } وعن جابر عند الطبراني في الدعاء والعقيلي في الضعفاء .

                                                                                                                                            وفيه عبد الله بن مجاهد وهو متروك وعن عروة بن مسعود الثقفي عند العقيلي بإسناد ضعيف وعن حذيفة عند ابن أبي الدنيا وزاد : " فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا " وعن ابن عباس عند الطبراني وعن ابن مسعود عنده أيضا وعن عطاء بن السائب عن أبيه عن جده عنده أيضا قال [ ص: 27 ] العقيلي : روي في الباب أحاديث صحاح عن غير واحد من الصحابة وروي فيه أيضا عن عمر وعثمان وابن مسعود وأنس وغيرهم هكذا في التلخيص قوله : ( لقنوا موتاكم ) قال النووي : أي من الموت والمراد : ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه ، كما في الحديث : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين وكرهوا الإكثار عليه والموالاة لئلا يضجره لضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بكلام لا يليق ، قالوا : وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض له به ليكون آخر كلامه ويتضمن الحديث الحضور عند المحتضر لتذكيره وتأنيسه وإغماض عينيه والقيام بحقوقه وهذا مجمع عليه ا هـ كلام النووي .

                                                                                                                                            ولكنه ينبغي أن ينظر ما القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب

                                                                                                                                            1367 - ( وعن عبيد بن عمير عن أبيه وكانت له صحبة أن رجلا قال : { يا رسول الله ما الكبائر ؟ قال : هي سبع ، فذكر منها : واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا } رواه أبو داود ) الحديث أخرجه أيضا النسائي والحاكم ولفظه عند أبي داود والنسائي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد سأله رجل عن الكبائر فقال : هن تسع : الشرك ، والسحر ، وقتل النفس ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات ، وعقوق الوالدين ، واستحلال البيت } الحديث ، وفي الباب عن ابن عمر عند البغوي في الجعديات بنحو حديث الباب ، ومداره على أيوب بن عقبة وهو ضعيف ، وقد اختلف عليه فيه .

                                                                                                                                            قوله : ( قال هي سبع ) بتقديم السين هكذا وقع في نسخ الكتاب الصحيحة التي وقفنا عليها ، والصواب تسع بتقديم التاء الفوقية والحديث استدل به على مشروعية توجيه المحتضر إلى القبلة لقوله : " واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا " وفي الاستدلال به على ذلك نظر ; لأن المراد بقوله أحياء عند الصلاة ، وأمواتا في اللحد ، والمحتضر حي غير مصل فلا يتناوله الحديث وإلا لزم وجوب التوجه إلى القبلة على كل حي وعدم اختصاصه بحال الصلاة وهو خلاف الإجماع .

                                                                                                                                            والأولى الاستدلال لمشروعية التوجيه بما رواه الحاكم والبيهقي عن أبي قتادة " أن البراء بن معرور أوصى أن يوجه للقبلة إذا احتضر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصاب الفطرة " وقد ذكر هذا الحديث في التلخيص وسكت عنه وقد اختلف في صفة التوجيه إلى القبلة ; فقال الهادي والناصر والشافعي في أحد قوليه : إنه يوجه مستلقيا ليستقبلها بكل وجهه ، وقال المؤيد بالله وأبو حنيفة والإمام يحيى [ ص: 28 ] والشافعي في أحد قوليه : إنه يوجه على جنبه الأيمن .

                                                                                                                                            وروي عن الإمام يحيى أنه قال : الأمران جائزان ، والأولى أن يوجه على جنبه الأيمن لما أخرجه ابن عدي في الكامل ولم يضعفه من حديث البراء بلفظ : { إذا أخذ أحدكم مضجعه فليتوسد يمينه } الحديث ، وأخرجه البيهقي في الدعوات بإسناد قال الحافظ : حسن وأصل الحديث في الصحيحين بلفظ : { إذا أويت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل : اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفي آخره فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة } .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند النسائي والترمذي وأحمد بلفظ " كان إذا نام وضع يده اليمنى تحت خده " وعن ابن مسعود عند النسائي والترمذي وابن ماجه وعن حفصة عند أبي داود وعن سلمى أم أبي رافع عند أحمد في المسند بلفظ " إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها " .

                                                                                                                                            وعن حذيفة عند الترمذي وعن أبي قتادة عند الحاكم والبيهقي بلفظ " كان إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه " وأصله في مسلم .

                                                                                                                                            ووجه الاستدلال بأحاديث توسد اليمين عند النوم على استحباب أن يكون المحتضر عند الموت كذلك أن النوم مظنة للموت وللإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة " بعد قوله : " ثم اضطجع على شقك الأيمن " فإنه يظهر منها أنه ينبغي أن يكون المحتضر على تلك الهيئة

                                                                                                                                            1368 - ( وعن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيرا فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت } رواه أحمد وابن ماجه ) الحديث أخرجه أيضا الحاكم والطبراني في الأوسط والبزار ، وفي إسناده قزعة بن سويد قال في

                                                                                                                                            التقريب : قزعة بفتح القاف والزاي والعين قال في الخلاصة : قال أبو حاتم : محله الصدق ، ليس بذاك القوي وفي الباب عن أم سلمة قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر " أخرجه مسلم . قوله : ( فإن البصر يتبع الروح ) قال النووي : معناه إذا خرجت الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا إلى أين يذهب قال : وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث قال : وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن ، وتذهب الحياة عن الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون ، ولا دما كما قاله آخرون ، وفيها كلام متشعب للمتكلمين . ا هـ .

                                                                                                                                            قوله : ( وقولوا خيرا . . . إلخ ) هذا في [ ص: 29 ] صحيح مسلم من حديث أم سلمة بلفظ { لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون } والحديث فيه أن الندب إلى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه وحضور الملائكة حينئذ وتأمينهم وفيه أن تغميض الميت عند موته مشروع قال النووي : وأجمع المسلمون على ذلك قالوا : والحكمة فيه أن لا يقبح منظره لو ترك إغماضه

                                                                                                                                            1369 - ( وعن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { : اقرءوا يس على موتاكم } رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد ، ولفظه : { يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على موتاكم } ) الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وصححه وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه المذكورين في السند وقال الدارقطني : هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ، ولا يصح في الباب حديث قال أحمد في مسنده : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان قال : كانت المشيخة يقولون : إذا قرئت يعني يس لميت خفف عنه بها ، وأسنده صاحب مسند الفردوس من طريق مروان بن سالم عن صفوان بن عمر وعن شريح عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه } وفي الباب عن أبي ذر وحده أخرجه أبو الشيخ في فضل القرآن ، هكذا في التلخيص قال ابن حبان في صحيحه قوله : " اقرءوا يس على موتاكم " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه ، وكذلك " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " .

                                                                                                                                            ورده المحب الطبري في القراءة وسلم له في التلقين ا هـ . واللفظ نص في الأموات وتناوله للحي المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية