الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          122 - مسألة : وتطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم من الرجل والمرأة لا يكون إلا بالماء حتى يزول الأثر أو بثلاثة أحجار متغايرة - فإن لم ينق فعلى الوتر أبدا يزيد كذلك حتى ينقى ، لا أقل من ذلك ، ولا يكون في شيء منها غائط - أو بالتراب أو الرمل بلا عدد ، ولكن ما أزال الأثر فقط على الوتر ولا بد ولا يجزئ أحدا أن يستنجي بيمينه ولا وهو مستقبل القبلة ، فإن بدأ بمخرج البول أجزأت تلك الأحجار بأعيانها لمخرج الغائط ، وإن بدأ بمخرج الغائط لم يجزه من تلك الأحجار لمخرج البول إلا ما كان لا رجيع عليه فقط .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد [ ص: 109 ] ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور بن المعتمر ، كلاهما عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسي قال { قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى يعلمكم الخراءة ، فقال سلمان : أجل ، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ، ونهانا عن الروث والعظام ، وقال : لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار } حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسي { أن بعض المشركين قال له : إني لأرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة قال : أجل ، أمرنا أن لا نستقبل القبلة ولا نستنجي بأيماننا ، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع ولا عظم } حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسي قال { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار } حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا أحمد بن سعيد ثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ثنا أبي ثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { وإذا استجمرت فأوتر } [ ص: 110 ] حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة يستنجي } ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل - هو ابن جعفر - عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا } ورويناه أيضا من طريق جابر مسندا . وقال أبو حنيفة ومالك : بأي شيء استنجى دون عدد فأنقى أجزأه ، وهذا خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نهى أن يكتفي أحد بدون ثلاثة أحجار وأمر بالوتر في الاستجمار وما نعلم لهم متعلقا إلا أنهم ذكروا أثرا فيه : أن عمر رضي الله عنه كان له عظم أو حجر يستنجي به ثم يتوضأ ويصلي ، وهذا لا حجة فيه ; لأنه شك . إما حجر وإما عظم ، وقد خالفوا عمر في المسح على العمامة وغير ذلك ، ولو صح لكان لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد خالفه سلمان وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ، فأخبروا أن حكم الاستنجاء هو ما علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألا يكتفى بدون ثلاثة أحجار " فإن قيل : أمره عليه السلام بثلاثة أحجار هو للغائط والبول معا ، فوقع لكل واحد منهما أقل من ثلاثة أحجار . قلنا : هذا باطل لأن النص قد ورد بأن لا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، ومسح البول لا يسمى استنجاء ، فحصل النص في الاستنجاء والخراءة أن لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار ، وحصل النص مجملا في أن لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار على البول نفسه وعلى النجو فصح ما قلناه . ومسح البول باليمين جائز ، وكذلك مستقبل القبلة ; لأنه لم ينه عن ذلك في البول وإنما نهى في الاستنجاء فقط . [ ص: 111 ] وقال الشافعي : ثلاث مسحات بحجر واحد ، وأجاز الاستنجاء بكل شيء حاشا العظم والروث والحممة والقصب والجلود التي لم تدبغ ، وهذا أيضا خلاف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يكتفى بأقل من ثلاثة أحجار . فإن قالوا : قسنا على الأحجار ، قلنا لهم : فقيسوا على التراب في التيمم ولا فرق فإن ذكروا حديثا رواه ابن أخي الزهري مسندا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرات } قيل : ابن أخي الزهري ضعيف ، والذي رواه عنه محمد بن يحيى الكناني وهو مجهول ، ولو صح لما كانت فيه حجة ; لأنه ليس فيها أن تلك المسحات تكون بحجر واحد ، فزيادة هذا لا تحل . وأما من قال إن حديث " { من استجمر فليوتر } معارض لحديث الثلاثة الأحجار قلنا هذا خطأ ، بل كل حديث منها قائم بنفسه ، فلا يجزئ من الأحجار إلا ثلاثة لا رجيع فيها ، ويجزئ من التراب الوتر ، ولا يجزئ غير ذلك من كل ما لا يسمى أرضا إلا الماء . فإن كان على حجر نجاسة غير الرجيع أجزأ ما لم يأت عنه نهي . وممن جاء عنه ألا يجزئ إلا ثلاثة أحجار سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما . فإن ذكر ذاكر حديثا رويناه من طريق ابن الحصين الحبراني عن أبي سعيد أو أبي سعد عن أبي هريرة مسندا " { من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج } فإن ابن الحصين مجهول وأبو سعيد أو أبو سعد الخير كذلك . [ ص: 112 ] فإن ذكروا حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : { ابغني أحجارا ، فأتيته بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : إنها ركس } فهذا لا حجة [ ص: 113 ] فيه ، لأنه ليس في الحديث أنه عليه السلام اكتفى بالحجرين ، وقد صح أمره عليه السلام له بأن يأتيه بأحجار ، فالأمر باق لازم لا بد من إبقائه ، وعلى أن هذا الحديث قد قيل فيه : إن أبا إسحاق دلسه ، وقد رويناه من طريق أبي إسحاق عن علقمة وفيه " أبغني ثالثا " فإن قيل : إنما نهى عن العظم والروث لأنهما زاد إخواننا من الجن . قلنا : نعم فكان ماذا ؟ بل هذا موجب أن المستنجي بأحدهما عاص مرتين : إحداهما خلافه نص الخبر ، والثاني تقذيره زاد من نهي عن تقذير زاده ، والمعصية لا تجزئ بدل الطاعة ، وممن قال لا يجزئ بالعظم ولا باليمين الشافعي وأبو سليمان وغيرهما .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية