الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              قوله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                              وخرج مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت، لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم، [ ص: 553 ] ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت، ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به . فسحب على وجهه حتى ألقي في النار" .

                                                                                                                                                                                              وفي الحديث: أن معاوية لما بلغه هذا الحديث، بكى حتى غشي عليه . فلما أفاق، قال: صدق الله ورسوله، قال الله عز وجل: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار

                                                                                                                                                                                              وقد ورد الوعيد على تعلم العلم لغير وجه الله، كما خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني: ريحها .

                                                                                                                                                                                              وخرج الترمذي من حديث كعب بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار" .

                                                                                                                                                                                              وخرجه ابن ماجه بمعناه من حديث ابن عمر ، وحذيفة ، وجابر ، عن النبي [ ص: 554 ] - صلى الله عليه وسلم - ولفظ حديث جابر : "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنار النار" .

                                                                                                                                                                                              وقال ابن مسعود : لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، أو لتجادلوا به الفقهاء، أو لتصرفوا له وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله، فإنه يبقى ويذهب ما سواه .

                                                                                                                                                                                              وقد ورد الوعيد على العمل لغير الله عموما، كما خرج الإمام أحمد من حديث أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب " .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية