الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله ( ( وكل ما ) ) أي كل شيء وارد من صفات الله تعالى ( ( من نهجه ) ) أي نهج اليد والوجه ونحوهما ، والنهج الطريق الواضح أي كل ما ورد من الأصناف من الرجل والقدم والصورة ( ( و ) ) من ( ( عينه ) ) عز وجل ، فنهجه الواضح وسبيله المبين [ ص: 239 ] الإقرار بما ورد ، والإيمان بما صح من غير تشبيه ولا تمثيل ، ولا إلحاد ولا تعطيل ، بل نقر ونذعن ، ونسلم ونؤمن بكل ذلك ، ونثبته إثبات وجود بلا تكييف ولا تحديد ، فمن ذلك العين في قوله تعالى ولتصنع على عيني ، وقوله ( فإنك بأعيننا ) ، وقوله ( تجري بأعيننا ) ، فمذهب السلف إثبات ذلك صفة لله تعالى .

وفي الصحيحين وغيرهما لما ذكر الدجال عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله ليس بأعور " ففي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال " إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ، إلا أن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " هذا لفظ مسلم .

ولفظ صحيح البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ذكر الدجال عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور - وأشار بيده إلى عينه - وأن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " ، أخرجه البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه في باب قوله تعالى ولتصنع على عيني .

وذكر البخاري في حجة الوداع من كتاب المغازي من صحيحه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنا نتحدث ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ، فلا ندري ما حجة الوداع ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر المسيح الدجال ، فأطنب في ذكره ، وقال " ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته الدجال ، أنذره نوح والنبيون من بعده ، وإنه يخرج فيكم [ ص: 240 ] فما خفى عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم ، إن ربكم ليس بأعور ، وإنه أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " . والأحاديث كثيرة .

قال البيهقي ، والقرطبي ، وغيرهما : في هذا نفي نقص العور عن الله تعالى ، وإثبات العين له صفة وعرفنا بقوله " ليس كمثله شيء " إنها ليست بحدقة

وقال علماؤنا : قد ورد السمع بإثبات صفة له تعالى ، وهي العين فتجري مجرى السمع والبصر ، وليس المراد إثبات عين ، هي حدقة ماهيتها شحمة لأن هذه العين من جسم محدث ، والله يتعالى عن ذلك ، وأما العين التي وصف بها الباري جل وعلا فهي مناسبة لذاته في كونها غير جسم ولا جوهر ولا عرض ، فلا يعرف لها ماهية ولا كيفية ، قالوا : وقد امتنعت المعتزلة والأشعرية ، من أن يقال لله تعالى عين ، فأما المعتزلة فنفوا العين والبصر ، فهم على جادتهم ، وأما الأشعرية فنفوا صفة العين ، وأثبتوا صفة البصر ، فيضعف ذلك على قولهم لأنهم يوافقون على أنه يبصر ببصر ، وإنما امتنعوا من تسمية عين لما استوحشوا من العين في الشاهد ، فقالوا بالتأويلات ، ومن المفاسد قياس الغائب على الشاهد .

وقال أهل التأويل : المراد من قوله تعالى تجري بأعيننا أي بمرأى منا ونحن نراها ، قالوا : أو المراد بأعيننا يحفظنا وكلاءتنا ، قالوا : أو المراد به أعين الماء أي تجري بأعين خلقناها وفجرناها فهي إضافة ملك وخلق لا إضافة صفة ذاتية ، أو المراد تجري بأوليائنا وخيار خلقنا ، وقالوا في قوله تعالى ولتصنع على عيني أي تربى وتغذى على مرأى منى ، وكذا " فإنك بأعيننا " أي بمرأى منا وفي حفظنا

وقال بعضهم : العين مؤولة بالبصر أو الإدراك ، بل قيل إنها حقيقة في ذلك ، خلافا لتوهم بعض الناس أنها مجاز ، قال وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وذكر الشيخ إبراهيم الكوراني في شرح منظومة شيخه الشيخ ( أحمد بن ) محمد المقدسي القشاشي ما لفظه : ثم وقفت من كلام الشيخ الأشعري في - الإبانة - الذي هو آخر مصنفاته ، والمعتمد في المعتقد على ما يشد أركان ما قررناه من مذهبه وذلك أنه قال : وأن له تعالى عينين بلا كيف ، وأن لله علما ، ونثبت لله السمع والبصر ، ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ، قال الكوراني فصرح بإثبات العينين بلا كيف والحمد لله رب العالمين ، انتهى

وقال سيدنا الإمام أحمد [ ص: 241 ] - رضي الله عنه - أحاديث الصفات تمر كما جاءت من غير بحث عن معانيها ، ونخالف ما خطر في الخاطر عند سماعها ، وننفي التشبيه عن الله تعالى عند ذكرها مع تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بها ، وكل ما يعقل ويتصور فهو تكييف وتشبيه وهو محال - كما نقله عنه الإمام ابن حمدان في نهاية المبتدئين ، انتهى . وهذا مذهب السلف الأثرية فهو الحق ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية