الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وهذا قوله تعالى: ثم أنـزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنـزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين .

                                                          (ثم) هنا في معناها; لأنه كانت مدة بعد الاضطراب وعادت السكينة، ولبعد ما بين الاضطراب والفزع والسكينة، وقد أنزلها برحمة منه، بعد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في جمع أسبابها، وتلافي أسباب الفشل، واتخاذ أسباب النصر بأن جمع المؤمنين الذين لهم سابقات في النصر وانحازوا إليه واتخذهم قوة الحق واتقاء الهزيمة.

                                                          وأضاف سبحانه وتعالى السكينة والاطمئنان إليه سبحانه; لأن ما يكون من الله لا يتغير ولا يحول، ولا يتبدل فهي سكينة ثابتة قائمة، تؤتي ثمارها وغايتها.

                                                          وقال سبحانه: على رسوله وعلى المؤمنين بتكرار (على) للدلالة على أن السكينة عامة ولم تخص، وتأكيدها بالنسبة للمؤمنين، وعبر سبحانه بالمؤمنين ولم يقل المسلمين للإشارة إلى أن هذه السكينة كانت خاصة بالذين آمنت قلوبهم، واطمأنت بالإيمان نفوسهم.

                                                          وقد أيد الله المؤمنين بالملائكة مبشرة بالنصر القريب، وأن لهم الفوز والغلب، والجنود الذين لم يروهم هم الملائكة الذين ملئوا قلوبهم بالطهر والعزم والصبر، وتلك أدوات الحرب، فالأداة الأولى للحرب الطهر والإيمان والعزم والصبر والتوكل على الله تعالى، وألا يغتر المجاهد بعدة ولا عدد.

                                                          ولقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - والشديدة شديدة - أخذ حصيات ورمى بها وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد" ويروى أنه قال: "شاهت الوجوه".

                                                          [ ص: 3269 ] ثم قال تعالى: وعذب الذين كفروا عذب الله الذين كفروا في هذه المعركة بأن هزمهم هزيمة، وقد لاح برق الانتصار في أولها، ولكن كان الزعم القاصم الذي صك الآذان صكا عنيفا، وأشد ما يكون على النفس وقعا أمل النصر ثم وقع الهزيمة من بعد، وفوق ذلك فقد كان النصر بقتل ذريع داهم مستمر.

                                                          ولقد ساقوا أموالهم كلها ليثور حماسهم برؤيتها، فغنمها المسلمون جميعها، فكأنهم ساقوها ليأخذها المسلمون غنيمة باردة، وساقوا نساءهم وأولادهم ليزدادوا حماسة برؤيتهم، فسباهم المسلمون وأذلوهم بسبيهم فكأنهم كانوا يعدون المائدة للمؤمنين.

                                                          هذا هو العذاب الدنيوي، هزيمة وقتل، وإذلال بالسبي، وأخذ الأموال غنائم غير مردودة، وإذا كان السبي قد رفق بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمره، فالمال قد وزع بين المجاهدين، وأخذ منه المؤلفة قلوبهم ما أخذوا.

                                                          وختم الله تعالى الآية بقوله تعالى: وذلك جزاء الكافرين (ذلك) الإشارة إلى ما ارتكبوا من تدبير، وأن ذلك رد كيدهم في نحورهم فقد دبروا وبيتوا، ووضعوا الكمائن، وساقوا أموالهم ونساءهم وذرياتهم فجازاهم الله تعالى ذلك بأن هزمهم، وغنمت أموالهم، وسبيت نساؤهم، وذلك بسبب كفرهم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية