الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الدعاء غير مستقبل القبلة

                                                                                                                                                                                                        5982 حدثنا محمد بن محبوب حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله ادع الله أن يسقينا فتغيمت السماء ومطرنا حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله أن يصرفه عنا فقد غرقنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع حول المدينة ولا يمطر أهل المدينة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله باب رفع الأيدي في الدعاء ) أي على صفة خاصة وسقط لفظ " باب " لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال أبو موسى هو الأشعري ( دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه ) هذا طرف من حديثه الطويل في قصة قتل عمه أبي عامر الأشعري وقد تقدم موصولا في المغازي في غزوة حنين وأشرت إليه قبل بثلاثة أبواب في " باب قول الله - تعالى - وصل عليهم "

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال ابن عمر رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ) وهذا طرف من قصة غزوة بني جذيمة بجيم ومعجمة وزن عظيمة وقد تقدم موصولا مع شرحه في المغازي بعد غزوة الفتح وخالد المذكور هو ابن الوليد .

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال الأويسي هو عبد العزيز بن عبد الله ومحمد بن جعفر أي ابن أبي كثير ويحيى بن سعيد هو الأنصاري . وهذا طرف أيضا من حديث أنس في الاستسقاء وقد تقدم هناك بهذا السند معلقا ووصله أبو نعيم من رواية أبي زرعة الرازي قال حدثنا الأويسي به وأورد البخاري قصة الاستسقاء مطولة من رواية شريك بن أبي نمر وحده عن أنس من طرق في بعضها " ورفع يديه " وليس في شيء منها " حتى رأيت بياض إبطيه " إلا هذا وفي الحديث الأول رد من قال لا يرفع كذا إلا في الاستسقاء بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا وتمسك بحديث أنس " لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء " وهو صحيح لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما " حتى يرى بياض إبطيه " بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري : وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح قلت ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك فإن فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في " الأذكار " وفي " شرح المهذب " جملة وعقد لها البخاري أيضا في " الأدب المفرد " [ ص: 147 ] بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله " ورفع يديه " وحديث جابر " أن الطفيل بن عمرو هاجر " فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه " وسنده صحيح وأخرجه مسلم . وحديث عائشة أنها " رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو رافعا يديه يقول اللهم إنما أنا بشر الحديث وهو صحيح الإسناد ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في " جزء رفع اليدين " " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رافعا يديه يدعو لعثمان " ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف " فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو رافع يديه يدعو " وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا " ثم رفع يديه يدعو " وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع " فرفع يديه ثلاث مرات " الحديث ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة " فرفع يديه وجعل يدعو " وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية " ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت " ومن حديث عبد الله بن عمرو " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتي وفي حديث عمر " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا " الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وفي حديث أسامة " كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى " أخرجه النسائي بسند جيد وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود " ثم رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه وهو يقول اللهم صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والأحاديث في ذلك كثيرة وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رويبة براء وموحدة مصغر أنه " رأى بشر بن مروان يرفع يديه فأنكر ذلك وقال لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يزيد على هذا يشير بالسبابة " فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال السنة أن الداعي يشير بإصبع واحدة ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة وهو ظاهر في سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية وسنده جيد قال الطبري : وكره رفع اليدين في الدعاء ابن عمر وجبير بن مطعم ورأى شريح رجلا يرفع يديه داعيا فقال من تتناول بهما لا أم لك ؟ وساق الطبري ذلك بأسانيده عنهم وذكر ابن التين عن عبد الله بن عمر بن غانم أنه نقل عن مالك أن رفع اليدين في الدعاء ليس من أمر الفقهاء قال وقال في " المدونة " ويختص الرفع بالاستسقاء ويجعل بطونهما إلى الأرض وأما ما نقله الطبري عن ابن عمر فإنما أنكر رفعهما إلى حذو المنكبين وقال ليجعلهما حذو صدره كذلك أسنده الطبري عنه أيضا وعن ابن عباس أن هذه صفة الدعاء وأخرج أبو داود والحاكم عنه من وجه آخر قال المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وأخرج الطبري من وجه آخر عنه قال يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه وقد صح عن ابن عمر خلاف ما تقدم أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من طريق القاسم بن محمد " رأيت ابن عمر يدعو عند القاص يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه باطنهما مما يليه وظاهرهما مما يلي وجهه "

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 148 ] قوله باب الدعاء غير مستقبل القبلة ) ذكر فيه حديث قتادة عن أنس " بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال يا رسول الله ادع الله أن يسقينا " الحديث

                                                                                                                                                                                                        حديث قتادة عن أنس " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال : يا رسول الله ادع الله أن يسقينا " الحديث وفيه " فقام ذلك الرجل أو غيره فقال ادع الله أن يصرف عنا فقد غرقنا فقال اللهم حوالينا ولا علينا الحديث وقد تقدم شرحه في الاستسقاء وفي بعض طرقه في الأول " فقال : اللهم اسقنا ووجه أخذه من الترجمة من جهة أن الخطيب من شأنه أن يستدبر القبلة وأنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - لما دعا في المرتين استدار وقد تقدم في الاستسقاء من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس في هذه القصة في آخره " ولم يذكر أنه حول رداءه ولا استقبل القبلة "




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية