nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون
الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا نشأ عن تبرئة المؤمنين من أن يستأذنوا في الجهاد : ببيان الذين شأنهم الاستئذان في هذا الشأن ، وأنهم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر في باطن أمرهم لأن انتفاء إيمانهم ينفي رجاءهم في ثواب الجهاد ، فلذلك لا يعرضون أنفسهم له .
وأفادت " إنما " القصر . ولما كان القصر يفيد مفاد خبرين بإثبات شيء ونفي ضده كانت صيغة القصر هنا دالة باعتبار أحد مفاديها على تأكيد جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر وقد كانت مغنية عن الجملة المؤكدة لولا أن المراد من تقديم تلك الجملة التنويه بفضيلة المؤمنين ، فالكلام إطناب لقصد التنويه ، والتنويه من مقامات الإطناب .
وحذف متعلق يستأذنك هنا لظهوره مما قبله مما يؤذن به فعل الاستئذان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا والتقدير : إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون في أن لا يجاهدوا ، ولذلك حذف متعلق يستأذنك هنا .
[ ص: 213 ] والسامع البليغ يقدر لكل كلام ما يناسب إرادة المتكلم البليغ ، وكل على منواله ينسج .
وعطف
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم على الصلة وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يدل على أن المراد بالارتياب الارتياب في ظهور أمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - فلأجل ذلك الارتياب كانوا ذوي وجهين معه فأظهروا الإسلام لئلا يفوتهم ما يحصل للمسلمين من العز والنفع ، على تقدير ظهور أمر الإسلام ، وأبطنوا الكفر حفاظا على دينهم الفاسد وعلى صلتهم بأهل ملتهم ، كما قال الله - تعالى - فيهم
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين
ولعل أعظم ارتيابهم كان في عاقبة غزوة
تبوك لأنهم لكفرهم ما كانوا يقدرون أن المسلمين يغلبون
الروم ، هذا هو الوجه في تفسير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم كما آذن به قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فهم في ريبهم يترددون
وجيء في قوله : " لا يؤمنون " بصيغة المضارع للدلالة على تجدد نفي إيمانهم ، وفي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم بصيغة الماضي للدلالة على قدم ذلك الارتياب ورسوخه فلذلك كان أثره استمرار انتفاء إيمانهم ، ولما كان الارتياب ملازما لانتفاء الإيمان كان في الكلام شبه الاحتباك إذ يصير بمنزلة أن يقال : الذين لم يؤمنوا ولا يؤمنون وارتابت وترتاب قلوبهم .
وفرع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فهم في ريبهم يترددون على
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم تفريع المسبب على السبب : لأن الارتياب هو الشك في الأمر بسبب التردد في تحصيله ، فلترددهم لم يصارحوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالعصيان لاستنفاره ، ولم يمتثلوا له فسلكوا مسلكا يصلح للأمرين ، وهو مسلك الاستئذان في القعود ، فالاستئذان مسبب على التردد ، والتردد مسبب على الارتياب وقد دل هذا على أن المقصود من صلة الموصول في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر . هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون . لأنه المنتج لانحصار الاستئذان فيهم .
[ ص: 214 ] وفي " ريبهم " ظرف مستقر ، خبر عن ضمير الجماعة ، والظرفية مجازية مفيدة إحاطة الريب بهم ، أي تمكنه من نفوسهم ، وليس قوله : في ريبهم متعلقا بـ " يترددون "
والتردد حقيقته ذهاب ورجوع متكرر إلى محل واحد ، وهو هنا تمثيل لحال المتحير بين الفعل وعدمه بحال الماشي والراجع . وقريب منه قولهم : يقدم رجلا ويؤخر أخرى .
والمعنى : أنهم لم يعزموا على الخروج إلى الغزو . وفي هذه الآية تصريح للمنافقين بأنهم كافرون ، وأن الله أطلع رسوله - عليه الصلاة والسلام - والمؤمنين على كفرهم ; لأن أمر استئذانهم في التخلف قد عرفه الناس .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَشَأَ عَنْ تَبْرِئَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي الْجِهَادِ : بِبَيَانِ الَّذِينَ شَأْنُهُمُ الِاسْتِئْذَانُ فِي هَذَا الشَّأْنِ ، وَأَنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِمْ لِأَنَّ انْتِفَاءَ إِيمَانِهِمْ يَنْفِي رَجَاءَهُمْ فِي ثَوَابِ الْجِهَادِ ، فَلِذَلِكَ لَا يُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لَهُ .
وَأَفَادَتْ " إِنَّمَا " الْقَصْرُ . وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ يُفِيدُ مُفَادَ خَبَرَيْنِ بِإِثْبَاتِ شَيْءٍ وَنَفْيِ ضِدِّهِ كَانَتْ صِيغَةُ الْقَصْرِ هُنَا دَالَّةً بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مُفَادَيْهَا عَلَى تَأْكِيدِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَقَدْ كَانَتْ مُغْنِيَةً عَنِ الْجُمْلَةِ الْمُؤَكِّدَةِ لَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَقْدِيمِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ التَّنْوِيهُ بِفَضِيلَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَالْكَلَامُ إِطْنَابٌ لِقَصْدِ التَّنْوِيهِ ، وَالتَّنْوِيهُ مِنْ مَقَامَاتِ الْإِطْنَابِ .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَسْتَأْذِنُكَ هُنَا لِظُهُورِهِ مِمَّا قَبْلَهُ مِمَّا يُؤْذِنُ بِهِ فِعْلُ الِاسْتِئْذَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا وَالتَّقْدِيرُ : إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي أَنْ لَا يُجَاهِدُوا ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَسْتَأْذِنُكَ هُنَا .
[ ص: 213 ] وَالسَّامِعُ الْبَلِيغُ يُقَدِّرُ لِكُلِّ كَلَامٍ مَا يُنَاسِبُ إِرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ الْبَلِيغِ ، وَكُلٌّ عَلَى مِنْوَالِهِ يَنْسِجُ .
وَعَطْفُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى الصِّلَةِ وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِارْتِيَابِ الِارْتِيَابُ فِي ظُهُورِ أَمْرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِأَجْلِ ذَلِكَ الِارْتِيَابِ كَانُوا ذَوِي وَجْهَيْنِ مَعَهُ فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ مَا يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعِزِّ وَالنَّفْعِ ، عَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ ، وَأَبْطَنُوا الْكُفْرَ حِفَاظًا عَلَى دِينِهِمُ الْفَاسِدِ وَعَلَى صِلَتِهِمْ بِأَهْلِ مِلَّتِهِمْ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=141الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَلَعَلَّ أَعْظَمَ ارْتِيَابِهِمْ كَانَ فِي عَاقِبَةِ غَزْوَةِ
تَبُوكَ لِأَنَّهُمْ لِكُفْرِهِمْ مَا كَانُوا يُقَدِّرُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَغْلِبُونَ
الرُّومَ ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ كَمَا آذَنَ بِهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
وَجِيءَ فِي قَوْلِهِ : " لَا يُؤْمِنُونَ " بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ نَفْيِ إِيمَانِهِمْ ، وَفِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِدَمِ ذَلِكَ الِارْتِيَابِ وَرُسُوخِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَثَرُهُ اسْتِمْرَارَ انْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ ، وَلَمَّا كَانَ الِارْتِيَابُ مُلَازِمًا لِانْتِفَاءِ الْإِيمَانِ كَانَ فِي الْكَلَامِ شِبْهُ الِاحْتِبَاكِ إِذْ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَا يُؤْمِنُونَ وَارْتَابَتْ وَتَرْتَابُ قُلُوبُهُمْ .
وَفَرَّعَ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ تَفْرِيعَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ : لِأَنَّ الِارْتِيَابَ هُوَ الشَّكُّ فِي الْأَمْرِ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي تَحْصِيلِهِ ، فَلِتَرَدُّدِهِمْ لَمْ يُصَارِحُوا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِصْيَانِ لِاسْتِنْفَارِهِ ، وَلَمْ يَمْتَثِلُوا لَهُ فَسَلَكُوا مَسْلَكًا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ مَسْلَكُ الِاسْتِئْذَانِ فِي الْقُعُودِ ، فَالِاسْتِئْذَانُ مُسَبَّبٌ عَلَى التَّرَدُّدِ ، وَالتَّرَدُّدُ مُسَبَّبٌ عَلَى الِارْتِيَابِ وَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ صِلَةِ الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ . لِأَنَّهُ الْمُنْتِجُ لِانْحِصَارِ الِاسْتِئْذَانِ فِيهِمْ .
[ ص: 214 ] وَفِي " رَيْبِهِمْ " ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ ، خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ ، وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُفِيدَةٌ إِحَاطَةَ الرَّيْبِ بِهِمْ ، أَيْ تَمَكُّنَهُ مِنْ نُفُوسِهِمْ ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ : فِي رَيْبِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِـ " يَتَرَدَّدُونَ "
وَالتَّرَدُّدُ حَقِيقَتُهُ ذِهَابٌ وَرُجُوعٌ مُتَكَرِّرٌ إِلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، وَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْمُتَحَيِّرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ الْمَاشِي وَالرَّاجِعِ . وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ : يُقَدِّمُ رِجْلًا وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى .
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْغَزْوِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَصْرِيحٌ لِلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ ، وَأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ ; لِأَنَّ أَمْرَ اسْتِئْذَانِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ قَدْ عَرَفَهُ النَّاسُ .