الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 489 ] 39 - باب: ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ

                                                                                                                                                                                                                              لقوله - عز وجل - : فاذكروني أذكركم [ البقرة: 152 ] واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله: من المسلمين [ يونس: 72 ]، غمة [ يونس: 71 ]: هم وضيق.

                                                                                                                                                                                                                              قال مجاهد: اقضوا إلي [ يونس: 71 ] ما في أنفسكم، يقال: افرق: اقض وقال مجاهد: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة: 6 ] إنسان يأتيه فيستمع ما يقول وما أنزل عليه، فهو آمن حتى يأتيه فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاءه. النبإ العظيم [ النبأ: 2 ]: القرآن صوابا [ النبأ: 38 ] حقا في الدنيا وعمل به. [ فتح: 13 \ 489 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              معنى قوله: ( باب ذكر الله بالأمر ) أي: ذكر الله لعباده يكون مع أمره لهم بعبادته ( والتزام طاعته ) أو بعذابه إذا عصوه، ويكون مع رحمته وإنعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه. قال ابن عباس في قوله تعالى: فاذكروني أذكركم [ البقرة: 152 ]: إذا ذكر الله العبد وهو على طاعته ذكره برحمته، وإذا ذكره على معصيته ذكره بلعنته، وعنه: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا كافر إلا ذكره بعذابه، قال سعيد بن جبير: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 490 ] وقوله: ( وذكر العباد بالدعاء والتضرع ) أي: في الغفران والتفضل عليهم بالرزق والهداية.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( والرسالة والإبلاغ ) معناه: وذكر الله الأنبياء بالرسالة والإبلاغ لما أرسلهم به إلى عباده بما يأمرهم به من عبادته وينهاهم. .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( واتل عليهم نبأ نوح ) [ يونس: 71 ] بهذا ذكر الله لرسوله نوحا - عليه السلام - بما بلغ من أمره وتذكيره قومه بآيات الله - عز وجل - ، وكذلك فرض على [ كل ] نبي تبليغ كتابه وشريعته.

                                                                                                                                                                                                                              ولذلك ذكر قوله تعالى: ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة: 6 ] الذي أمر بتلاوته عليهم وإنبائهم به.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مجاهد: النبإ العظيم : القرآن )، وسمي نبأ; لأنه منبأ به وهو متلو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا ذكر في الباب هذه الآية; من أجل أمر الله محمدا - عليه السلام - بإجارة المشرك حتى يسمع الذكر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( صوابا : حقا )، ( يريد قوله تعالى: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) يريد: وقال ( حقا ) في الدنيا وعمل به فذلك الذي يؤذن له في الكلام بين يدي الله بالشفاعة لمن أذن له.

                                                                                                                                                                                                                              وكان يصلح أن يذكر في هذا الباب قوله - عليه السلام - عن ربه - عز وجل - : "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" أي: من ذكرني في نفسه متضرعا ( داعيا ) ذكرته في نفسي [ ص: 491 ] مجيبا مشفقا، فإن ذكرني في ملأ من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملأ من الملائكة الذين هم أفضل من ملأ الناس - كما وقع في كتاب ابن بطال على ما نقله عن الجمهور - بالمغفرة والرحمة والهداية، يفسره قوله - عليه السلام - في حديث التنزل: "هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه"، هذا ذكر الله تعالى العباد بالنعم والإجابة لدعائهم.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              اختلف في الأفضل من الذكر قيل: بالقلب أو باللسان، قاله الداودي. والصواب أن الذكر باللسان وقوله: "لا إله إلا الله مخلصا من قلبه" أعظم من ذكره بقلبه، ووقوفه عند السيئة فيذكر بلسانه - عندما يهم العبد بالسيئة - فيذكر مقام ربه فيكف.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( واتل عليهم نبأ نوح إلى قوله: من المسلمين ) [ يونس: 72 ] معنى إن كان كبر عليكم مقامي أي: كوني فيكم، وقوله: وتذكيري بآيات الله . يعني: عظمة إياه من قوله: (استغفروا ربكم) .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، قال الفراء: ( أي ) وادعوا شركاءكم; لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما الإجماع للإعداد والعزيمة على الأمر، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              ورأيت بعلك في الورى متقلدا سيفا ورمحا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 492 ] أي: وحاملا رمحا; لأن الرمح لا يتقلد.

                                                                                                                                                                                                                              وقال المبرد: هو محمول على المعنى; لأن معنى الجمع والإجماع واحد، وقال الشيخ أبو الحسن: المعنى مع شركائكم قال: وقول الفراء لا معنى له; لأنه يذهب إلى أن المعنى: وادعوا شركاءكم ليعينوكم، فإن معناه معنى مع، وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط ولا معنى له لدعائهم لغير نبي، وقرأ الجحدري بوصل الألف وفتح الميم، وقرأ الحسن: فأجمعوا، وهذا يدل أنهما لغتان بمعنى.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( غمة [ يونس: 71 ]: هم وضيق ). قيل المعنى: ليكن أمركم ظاهرا، يقال: القوم في غمة إذا غطي عليهم أمرهم والتبس، ومنه غمه ( الهلال ) أي: غشيه ما غطاه، والغم من هذا إنما هو من أغشى القلب من الكرب وطبعه، وأصله مشتق من الغمامة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( ثم اقضوا إلي ولا تنظرون : ما في أنفسكم ). أي: افعلوا ما بدا لكم، قال الكسائي: وتقرأ أفضوا بقطع الألف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية