الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين

إن كانت الإبادة للقرى بالإطلاق في كل زمن فأمها في هذا الموضع عظيمها وأفضلها التي هي بمثابة مكة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مكة أم القرى كلها أيضا من حيث هي أول ما خلق من الأرض، ومن حيث فيها البيت ، ومعنى الآية أن الله تبارك وتعالى يقيم الحجة على عباده بالرسل، فلا يعذب إلا بعد نذارة، وبعد أن يتمادى أهل القرى في ظلم وطغيان. والظلم: -هنا- يجمع الكفر والمعاصي والتقصير في الجهاد، وبالجملة وضع الباطل موضع الحق.

[ ص: 602 ] ثم خاطب تعالى قريشا محقرا لما كانوا يفخرون به من مال وبنين وغير ذلك من قوة لم تكن عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا عند من آمن به، فأخبر الله تعالى قريشا أن ذلك متاع الدنيا الفاني، وأن الآخرة وما فيها من النعم التي أعدها الله لهؤلاء المؤمنين خير وأبقى. ثم وبخهم بقوله تعالى: أفلا تعقلون ، وقرأ الجمهور : "يعقلون" بالياء، وقرأ أبو عمرو وحده: "تعقلون" بالتاء من فوق، وهي قراءة الأعرج ، والحسن ، وعيسى .

ثم زادهم توبيخا بقوله: أفمن وعدناه الآية. وقوله: أفمن وعدناه يعم معناها جميع العالم، لكن اختلف الناس فيمن نزلت، فقال مجاهد : الذي وعد الحسن هو محمد صلى الله عليه وسلم، وضده أبو جهل لعنه الله، وقال مجاهد : نزلت في حمزة رضي الله تعالى عنه وأبي جهل ، وقال قتادة : نزلت في المؤمن والكافر، كما أن معناها عام.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

ونزولها عام بين الاتساق بما قبله من توبيخ قريش .

و من المحضرين معناه: في عذاب الله تعالى، قاله مجاهد وقتادة ، ولفظة "محضرين" مشيرة إلى سوق وجر. وقرأ طلحة : "أمن وعدناه" بغير فاء، وقرأ مسروق : "أفمن وعدناه نعمة منا فهو لاقيه".

[ ص: 603 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية