الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 219 ] لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون

الجملة تعليل لقوله ( يبغونكم الفتنة ) لأنها دليل بأن ذلك ديدن لهم من قبل ، إذ ابتغوا الفتنة للمسلمين وذلك يوم أحد إذ انخزل عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين بعد أن وصلوا إلى أحد ، وكانوا ثلث الجيش قصدوا إلقاء الخوف في نفوس المسلمين حين يرون انخزال بعض جيشهم ، وقال ابن جريج : الذين ابتغوا الفتنة اثنا عشر رجلا من المنافقين ، وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا بالنبيء - صلى الله عليه وسلم .

وقلبوا بتشديد اللام مضاعف قلب المخفف ، والمضاعفة للدلالة على قوة الفعل . فيجوز أن يكون من قلب الشيء إذا تأمل باطنه وظاهره ليطلع على دقائق صفاته فتكون المبالغة راجعة إلى الكم أي كثرة التقليب ، أي ترددوا آراءهم وأعملوا المكائد والحيل للإضرار بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين .

ويجوز أن يكون قلبوا من قلب بمعنى فتش وبحث ، استعير التقليب للبحث والتفتيش لمشابهة التفتيش للتقليب في الإحاطة بحال الشيء كقوله - تعالى : فأصبح يقلب كفيه فيكون المعنى ، أنهم بحثوا وتجسسوا للاطلاع على شأن المسلمين وإخبار العدو به .

واللام في قوله : ( لك ) على هذين الوجهين لام العلة ، أي لأجلك وهو مجمل يبينه قوله : لقد ابتغوا الفتنة من قبل . فالمعنى اتبعوا فتنة تظهر منك ، أي في أحوالك وفي أحوال المسلمين .

ويجوز أن يكون قلبوا مبالغة في قلب الأمر إذا أخفى ما كان ظاهرا منه وأبدى ما كان خفيا ، كقولهم : قلب له ظهر المجن . وتعديته باللام في قوله : ( لك ) ظاهرة .

[ ص: 220 ] و الأمور جمع أمر ، وهو اسم مبهم مثل شيء كما في قول الموصلي :


ولكن مقادير جرت وأمور



والألف واللام فيه للجنس ، أي أمورا تعرفون بعضها ولا تعرفون بعضا .

و حتى غاية لتقليبهم الأمور .

ومجيء الحق حصوله واستقراره والمراد بذلك زوال ضعف المسلمين وانكشاف أمر المنافقين .

والمراد بظهور أمر الله نصر المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا . وذلك يكرهه المنافقون .

الظهور والغلبة والنصر .

وأمر الله دينه ، أي فلما جاء الحق وظهر أمر الله علموا أن فتنتهم لا تضر المسلمين ، فلذلك لم يروا فائدة في الخروج معهم إلى غزوة تبوك فاعتذروا عن الخروج من أول الأمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية