الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين .

نزلت في بعض المنافقين استأذنوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - في التخلف عن تبوك ولم يبدوا عذرا يمنعهم من الغزو ، ولكنهم صرحوا بأن الخروج إلى الغزو يفتنهم لمحبة أموالهم وأهليهم ، ففضح الله أمرهم بأنهم منافقون : لأن ضمير الجمع المجرور عائد إلى الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، وقيل : قال جماعة منهم : ائذن لنا لأنا قاعدون أذنت لنا أم لم تأذن فأذن لنا لئلا نقع في المعصية . وهذا من أكبر الوقاحة لأن الإذن في هذه الحالة كلا إذن ، ولعلهم قالوا ذلك لعلمهم برفق النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقيل : إن الجد بن قيس قال : يا رسول الله ، لقد علم الناس [ ص: 221 ] أني مستهتر بالنساء فإني إذا رأيت نساء بني الأصفر افتتنت بهن فأذن لي في التخلف ولا تفتني وأنا أعينك بمالي ، فأذن لهم . ولعل كل ذلك كان .

والإتيان بأداة الاستفتاح في جملة ألا في الفتنة سقطوا للتنبيه على ما بعدها من عجيب حالهم إذ عاملهم الله بنقيض مقصودهم فهم احترزوا عن فتنة فوقعوا في الفتنة . فالتعريف في الفتنة ليس تعريف العهد إذ لا معهود هنا ، ولكنه تعريف الجنس المؤذن بكمال المعرف في جنسه ، أي في الفتنة العظيمة سقطوا ، فأي وجه فرض في المراد من الفتنة حين قال قائلهم : ولا تفتني كان ما وقع فيه أشد مما تفصى منه ، فإن أراد فتنة الدين فهو واقع في أعظم الفتنة بالشرك والنفاق ، وإن أراد فتنة سوء السمعة بالتخلف فقد وقع في أعظم بافتضاح أمر نفاقهم ، وإن أراد فتنة النكد بفراق الأهل والمال فقد وقع في أعظم نكد بكونه ملعونا مبغوضا للناس . وتقدم بيان الفتنة قريبا .

والسقوط مستعمل مجازا في الكون فجأة على وجه الاستعارة : شبه ذلك الكون بالسقوط في عدم التهيؤ له وفي المفاجأة باعتبار أنهم حصلوا في الفتنة في حال أمنهم من الوقوع فيها ، فهم كالساقط في هوة على حين ظن أنه ماش في طريق سهل ومن كلام العرب " على الخبير سقطت " .

وتقديم المجرور على عامله ، للاهتمام به لأنه المقصود من الجملة .

وهذه الجملة تسير مسرى المثل .

وجملة وإن جهنم لمحيطة بالكافرين معترضة والواو اعتراضية ، أي وقعوا في الفتنة المفضية إلى الكفر . والكفر يستحق جهنم .

وإحاطة جهنم مراد منها عدم إفلاتهم منها ، فالإحاطة كناية عن عدم الإفلات . والمراد بالكافرين : جميع الكافرين فيشمل المتحدث عنهم لثبوت كفرهم بقوله : إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر

ووجه العدول عن الإتيان بضميرهم إلى الإتيان بالاسم الظاهر في قوله : ( لمحيطة بالكافرين ) إثبات إحاطة جهنم بهم بطريق شبيه بالاستدلال ; لأن شمول الاسم الكلي لبعض جزئياته أشهر أنواع الاستدلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية