الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 555 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجوز أن تتوضأ [ لفرض الوقت ] قبل دخول الوقت ; لأنها طهارة ضرورة فلا تجوز قبل وقت الضرورة ، فإن توضأت في أول الوقت وأخرت الصلاة فإن كان بسبب يعود إلى مصلحة الصلاة كانتظار الجماعة وستر العورة والإقامة صحت صلاتها ، وإن كان لغير ذلك ففيه وجهان أحدهما : أن صلاتها باطلة ; لأنها تصلي مع نجاسة يمكن حفظ الصلاة منها .

                                      ( والثاني ) : يصح ; لأنه وسع في الوقت فلا يضيق عليها ، وإن أخرتها حتى خرج الوقت لم يجز لها أن تصلي به ; لأنه لا عذر لها في ذلك ، ومن أصحابنا من قال : يجوز أن تصلي بعد خروج الوقت ; لأنا لو منعناها من ذلك صارت طهارتها مقدرة بالوقت وذلك لا يجوز عندنا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ، ووقت المؤداة معروف ، ووقت المقضية بتذكرها ، وقد سبقت المسألة بفروعها في باب التيمم فتجيء تلك الفروع كلها هنا ، وقد سبق في النافلة المؤقتة وجهان ، ( أصحهما ) : لا يصح التيمم لها إلا بعد دخول وقتها .

                                      ( والثاني ) : يجوز ، وهما جاريان في وضوء المستحاضة .

                                      وحكى إمام الحرمين وجها أنها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوءها وصلت به فريضة الوقت ، وهذا ليس بشيء ، ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة فلا يجوز شيء منها قبل الوقت لعدم الضرورة .

                                      وقال أبو حنيفة رحمه الله : يجوز وضوءها قبل الوقت .

                                      ودليلنا ما ذكرناه والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : وينبغي أن تبادر بالصلاة عقيب طهارتها ، فإن أخرت ففيها أربعة أوجه : ( الصحيح ) منها : أنها إن أخرت لاشتغالها بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والسعي في تحصيل سترة تصلي إليها وانتظار الجماعة ونحو ذلك جاز ، وإن أخرت بلا عذر بطلت طهارتها لتفريطها .

                                      ( والثاني ) : تبطل طهارتها سواء أخرت بسبب الصلاة أو لغيره ، حكاه صاحب الحاوي وهو غريب ضعيف .

                                      ( والثالث ) : يجوز التأخير وإن خرج الوقت ولا تبطل طهارتها .

                                      قال صاحب الإبانة : ما لم تصل الفريضة ، يعني بعد الوقت ، [ ص: 556 ] قال : وهذا قول القفال وشيخه الخضري قياسا على التيمم ، ولأن الوقت موسع فلا نضيقه عليها ، وخروج الوقت لا يوجب نقض الطهارة ، ولأن المبادرة لو وجبت خوفا من كثرة الحدث والنجس لوجب الاقتصار على أركان الصلاة ( والرابع ) : لها التأخير ما لم يخرج وقت الصلاة ، وليس لها الصلاة بعد الوقت بتلك الطهارة ; لأن جميع الوقت في حق الصلاة كالشيء الواحد فضبطت الطهارة به ، قال إمام الحرمين : وهذا الوجه بعيد عن قياس الشافعي مشابه لمذهب أبي حنيفة رحمه الله قال الإمام : فإن قلنا : تجب المبادرة فقد ذهب ذاهبون من أئمتنا إلى المبالغة في الأمر بالبدار .

                                      وقال آخرون : ولو تخلل فصل يسير لم يضر .

                                      قال : وضبطه على التقريب عندي أن يكون على قدر الزمن المتخلل بين صلاتي الجمع في السفر ، وقد سبق في باب التيمم أن المذهب المشهور أنه لا يلزم المتيمم المبادرة ، وأنها تلزم المستحاضة ، وأن بعض الأصحاب خرج من كل واحدة إلى الأخرى وجعل فيهما خلافا ، وأن المذهب الفرق ، وسبق بيان الفرق والله أعلم .

                                      واذا توضأت المستحاضة للفريضة فقد سبق أنها تستبيح ما شاءت من النوافل وتبقى هذه الاستباحة ما دام وقت الفريضة باقيا ، فإذا خرج الوقت فوجهان حكاهما الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي وآخرون .

                                      قال أبو حامد : الصحيح أنها لا تستبيح النفل بعد الوقت بذلك الوضوء ، وقطع البغوي بالاستباحة ، وقد سبق في باب التيمم أن من تيمم لفريضة فله التنفل بعد الوقت على أصح الوجهين ، والأصح هنا أنه لا يجوز لها ; والفرق أن حدثها متجدد ونجاستها متزايدة بخلاف المتيمم ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية