الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال إني أعلم ما لا تعلمون ( 30 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : يعني بقوله : " أعلم ما لا تعلمون " مما اطلع عليه من إبليس ، وإضماره المعصية لله وإخفائه الكبر ، مما اطلع عليه تبارك وتعالى منه وخفي على ملائكته .

ذكر من قال ذلك :

626 - حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " إني أعلم ما لا تعلمون " [ ص: 477 ] ، يقول : إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره .

627 - وحدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " إني أعلم ما لا تعلمون " يعني من شأن إبليس .

628 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل - قالا جميعا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها .

629 - وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مجاهد ، بمثله .

630 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مجاهد مثله .

631 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها . [ ص: 478 ]

632 - وحدثني جعفر بن محمد البزوري ، قال : حدثنا حسن بن بشر ، عن حمزة الزيات ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس كتمانه الكبر أن لا يسجد لآدم .

633 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، قال : - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل - جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية .

634 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، مثله .

635 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد في قوله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها .

وقال مرة آدم .

636 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبد الوهاب بن مجاهد يحدث عن أبيه في قوله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها ، وعلم من آدم الطاعة وخلقه لها . [ ص: 479 ]

637 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، والثوري ، عن علي بن بذيمة ، عن مجاهد في قوله : " إني أعلم ما لا تعلمون " قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها .

638 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إني أعلم ما لا تعلمون " أي فيكم ومنكم ، ولم يبدها لهم ، من المعصية والفساد وسفك الدماء .

وقال آخرون : معنى ذلك : إني أعلم ما لا تعلمون من أنه يكون من ذلك الخليفة أهل الطاعة والولاية لله .

ذكر من قال ذلك :

639 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : " إني أعلم ما لا تعلمون " فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة .

وهذا الخبر من الله جل ثناؤه ينبئ عن أن الملائكة التي قالت : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " استفظعت أن يكون لله خلق يعصيه ، وعجبت منه إذ أخبرت أن ذلك كائن . فلذلك قال لهم ربهم : " إني أعلم ما لا تعلمون " يعني بذلك ، والله أعلم : إنكم لتعجبون من أمر الله وتستفظعونه ، وأنا أعلم أنه في بعضكم ، وتصفون أنفسكم بصفة أعلم خلافها من بعضكم ، وتعرضون بأمر قد جعلته لغيركم . وذلك أن الملائكة لما أخبرها ربها بما هو كائن من ذرية خليفته ، من الفساد وسفك الدماء ، قالت لربها : يا رب أجاعل أنت في الأرض خليفة من غيرنا ، يكون من ذريته من يعصيك ، أم منا ، فإنا نعظمك [ ص: 480 ] ونصلي لك ونطيعك ولا نعصيك ؟ ولم يكن عندها علم بما قد انطوى عليه كشحا إبليس من استكباره على ربه ، فقال لهم ربهم : إني أعلم غير الذي تقولون من بعضكم . وذلك هو ما كان مستورا عنهم من أمر إبليس ، وانطوائه على ما قد كان انطوى عليه من الكبر . وعلى قيلهم ذلك ، ووصفهم أنفسهم بالعموم من الوصف عوتبوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية