الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 39 ] باب صفة الغسل

                                                                                                                                            1385 - ( عن أم عطية قالت { : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر ، واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني ، فلما فرغنا آذناه ، فأعطانا حقوه ، فقال : أشعرنها إياه ، يعني إزاره } رواه الجماعة وفي رواية لهم { ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها } ، وفي لفظ { اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن } وفيه قالت : { فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فالقيناها خلفها } متفق عليهما لكن ليس لمسلم فيه " فألقيناها خلفها " ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            . قوله : ( حين توفيت ابنته ) في رواية متفق عليها " ونحن نغسل ابنته " قال في الفتح : ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل ، وابنته المذكورة هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم وقال الداودي : إنها أم كلثوم زوج عثمان ويدل عليه ما أخرجه ابن ماجه بإسناد على شرط الشيخين كما قال الحافظ ، ولفظه : { دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم } .

                                                                                                                                            وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أم عطية والدولابي في الذرية الطاهرة قال في الفتح : فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعا ، فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات انتهى . قوله : ( اغسلنها ) قال ابن بريدة : استدل به على وجوب غسل الميت قال ابن دقيق العيد : لكن قوله : ثلاثا . . . إلخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء ، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد .

                                                                                                                                            لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه ، فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى . فمن جوز ذلك جوز الاستدلال ، بهذا الأمر على الوجوب ، ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينة ، واستدل على الوجوب بدليل آخر . وقد ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وروي ذلك عن الحسن وهو يرد ما حكاه في البحر من الإجماع على أن الواجب مرة فقط .

                                                                                                                                            قوله : ( من ذلك ) بكسر الكاف ; لأنه خطاب للمؤنث قال في الفتح : ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله : " سبعا " التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود وأما سواه فإما أو سبعا ، وإما أو أكثر من ذلك انتهى . وهو ذهول منه عما أخرجه البخاري في باب : يجعل الكافور فإنه روى حديث أم عطية هنالك بلفظ { اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك } وقد صرح المصنف رحمه الله تعالى [ ص: 40 ] بأن الجمع بين التعبير بسبع وأكثر متفق عليه كما وقع في حديث الباب ، لكن قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع ، وصرح بأنها مكروهة أحمد والماوردي وابن المنذر .

                                                                                                                                            قوله : ( إن رأيتن ذلك ) فيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ، ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهي كما قال في الفتح قال ابن المنذر : إنما فوض الرأي إليهن بالشرط المذكور ، وهو الإيتار . قوله : ( بماء وسدر ) قال الزين بن المنير : ظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل ; لأن قوله : " بماء وسدر " يتعلق بقوله " اغسلنها " . قال : وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف - لا للتطهير ; لأن الماء المضاف لا يتطهر به وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك . قوله : ( واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ) هو شك من الراوي قال في الفتح : الأول محمول على الثاني ; لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه .

                                                                                                                                            وقد جزم البخاري في رواية باللفظ الأول ، وظاهره أنه يجعل الكافور في الماء ، وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون : إنما يجعل الكافور في الحنوط ، والحكمة في الكافور ، كونه طيب الرائحة وذلك وقت تحضر فيه الملائكة ، وفيه أيضا تبريد وقوة نفوذ ، وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ، ومنع إسراع الفساد إليه ، وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها . قوله : ( فآذنني ) أي أعلمنني .

                                                                                                                                            قوله : ( فأعطانا حقوه ) قال : في الفتح : بفتح المهملة ويجوز كسرها ، وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة ، والمراد هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية والحقو في الأصل : معقد الإزار ، وأطلق على الإزار مجازا وفي رواية البخاري " فنزع عن حقوه إزاره " والحقو على هذا حقيقة قوله : ( فقال أشعرنها إياه ) أي ألففنها فيه ; لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب ، والمراد اجعلنه شعارا لها قال في الفتح : قيل : الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل ، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك . قوله : { ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها } ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا قال الزين بن المنير : قوله " ابدأن بميامنها " أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ومواضع الوضوء منها : أي في الغسلة المتصلة بالوضوء وفي هذا رد على من لم يقل باستحباب البداءة بالميامن ، وهم الحنفية ، واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية .

                                                                                                                                            قوله : ( اغسلنها وترا ثلاثا . . . إلخ ) استدل به [ ص: 41 ] على أن أقل الوتر ثلاث قال الحافظ : ولا دلالة فيه ; لأنه سيق مساق البيان للمراد ، إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها . قوله : ( فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ) هو بضاد وفاء خفيفة وفيه استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهي ناصيتها وقرناها : أي جانبا رأسها كما وقع في رواية وكيع عن سفيان عند البخاري تعليقا ، ووصل ذلك الإسماعيلي ، وتسمية الناصية قرنا تغليب وقال الأوزاعي والحنفية : إنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا قال القرطبي : وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا ، أو هو شيء رأته ففعلته استحبابا ؟ كلا الأمرين محتمل ، لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا كذا قال وقال النووي : الظاهر عدم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له ، وتعقب ذلك الحافظ بأن سعيد بن منصور روى عن أم عطية أنها قالت : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر } وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أم عطية مرفوعا بلفظ : { واجعلن لها ثلاثة قرون } .

                                                                                                                                            قوله : ( فألقيناها خلفها ) فيه استحباب جعل ضفائر المرأة خلفها وقد زعم ابن دقيق العيد أن الوارد في ذلك حديث غريب قال في الفتح : وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري ، وقد توبع رواتها عليها ، وقد استوفى تلك المتابعات ، وذكر للحديث فوائد غير ما تقدم

                                                                                                                                            1386 - ( وعن عائشة قالت { : لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه ، فقالوا : والله ما ندري كيف نصنع ، أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ; قالت : فلما اختلفوا أرسل الله عليهم السنة ، حتى والله ما من القوم من رجل إلا ذقنه في صدره نائما ، قالت : ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو فقال : اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ، قالت : فثاروا إليه فغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قميصه يفاض عليه الماء والسدر ويدلك الرجال بالقميص } رواه أحمد وأبو داود ) الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وفي رواية لابن حبان " فكان الذي أجلسه في حجره علي بن أبي طالب " وروى الحاكم عن عبد الله بن الحارث قال : { غسل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعلى يده خرقة ، فغسله ، فأدخل يده تحت القميص فغسله والقميص عليه } وفي الباب عن بريدة عند ابن ماجه والحاكم والبيهقي قال : { لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل : لا تنزعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم قميصه } وعن ابن عباس عند [ ص: 42 ] أحمد أن عليا أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وعليه قميصه ، وفي إسناده حسين بن عبد الله وهو ضعيف وعن جعفر بن محمد عن أبيه عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي والشافعي قال { : غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بسدر ، وغسل وعليه قميص ، وغسل من بئر يقال لها : الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة وكان يشرب منها ، وولي سفلته علي والفضل محتضنه والعباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يترطل علي } قال الحافظ : وهو مرسل جيد .

                                                                                                                                            قوله : ( السنة ) بسين مهملة مكسورة بعدها نون وهي ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس ، قال عدي بن الرقاع العاملي :

                                                                                                                                            وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم

                                                                                                                                            .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية