الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا أبو زرعة ، ثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، أن أبا عبد رب ، كان من أكثر أهل دمشق مالا ، فخرج إلى أذربيجان في تجارة ، فأمسى إلى جانب مرعى ونهر ، فنزل به ، قال أبو عبد رب : فسمعت صوتا يكثر حمد الله في ناحية من المخرج ، فاتبعته فوافيت رجلا في حفير من الأرض ، ملفوفا في [ ص: 161 ] حصير ، فسلمت عليه فقلت : من أنت يا عبد الله ؟ قال : رجل من المسلمين ، قال : قلت : ما حالتك هذه ؟ قال : نعمة يجب علي حمد الله فيها ، قال : قلت : وكيف ، وإنما أنت في حصير ؟ قال : وما لي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي ، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام ، وألبسني العافية في أركاني ، وستر علي ما أكره ذكره أو نشره ، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه ؟ قال : قلت : رحمك الله ، إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل ، فإنا نزول على النهر هاهنا ؟ قال : ولم ؟ قال : قلت : لتصيب من الطعام ، ولنعطيك ما يغنيك من لبس الحصير ، قال : ما بي حاجة ، قال الوليد : فحسبت أنه قال : إن لي في أكل العشب كفاية عما قال أبو عبد رب ، فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها ، إذ أني لم أخلف بدمشق رجلا في الغنى يكاثرني ، وأنا ألتمس الزيادة فيه ، اللهم إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه ، قال : فبت ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت به ، فلما كان من السحر رحلوا كنحو من رحلتهم فيما مضى ، وقدموا إلي دابتي فركبتها وصرفتها إلى دمشق وقلت : ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت في متجري ، فسألني القوم فأخبرتهم ، وعاتبوني على المضي فأبيت ، قال : قال ابن جابر : فلما قدم تصدق بصامت ماله ، وتجهز به في سبيل الله ، قال ابن جابر : فحدثني بعض إخواني قال : ماكست صاحب عباء بدانق في عباءة ، أعطيته ستة وهو يقول : سبعة ، فلما أكثرت قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل دمشق ، قال : ما تشبه شيخا وفد علي أمس ، يقال له أبو عبد رب ، اشترى مني سبعمائة كساء بسبعة سبعة ، ما سألني أن أضع له درهما ، وسألني أن أحملها له ، فبعثت أعواني ، فما زال يفرقها بين فقراء الجيش ، فما دخل إلى منزله منها كساء ، قال ابن جابر : وكان أبو عبد رب قد تصدق بصامت ماله ، وباع عقده فتصدق بها إلا دارا بدمشق ، وكان يقول : والله لو أن نهركم هذا - يعني بردا - سال ذهبا وفضة ، من شاء خرج إليه فأخذه ، ما خرجت إليه ، ولو أنه قيل : من مس هذا العود مات ، لسرني أن أقوم إليه شوقا إلى الله وإلى رسوله ، قال ابن جابر : فوافيته ذات يوم يتوضأ على مطهرة دمشق ، فسلمت ، فرد علي [ ص: 162 ] فقال : يا طويل لا تعجل ، فانتظرته ، فلما فرغ من وضوئه أقبل علي فقال : إني أريد أن أستشيرك فأشر علي ، قال : قلت : اذكر ، قال : خرجت من صامت مالي وعقدي فلم يبق إلا داري هذه ، أعطيت بها كذا وكذا ألفا ، فما ترى ؟ قال : قلت : والله ما تدري ما بقي من عمرك ، وأخاف أن تحتاج إلى الناس ، وفي غلتها قوام لعيشك ، وتسكن في طائفة منها تسترك وتغنيك عن منازل الناس ، قال : وإن هذا لرأيك ؟ قلت : نعم ، قال : أصابك والله المثل ، قلت : وما ذاك ؟ قال : لا يخطئك من طويل حمق أو قزحة في رجله ، أبالفقر تخوفني ؟ قال ابن جابر : فباعها بمال عظيم وفرقه ، وكان مع ذلك موته ، فما وجدوا من ثمنها إلا قدر ثمن الكفن ، قال ابن جابر : ومر به رجل ممن كان يألفه فقال : أفلان ؟ قال : نعم أصلحك الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : بلغني أنك تنمي أربعة آلاف دينار - أو قال : أربعين ألف دينار - قال : حميق ، لا عقل ولا مال ؟ .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية