الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 308 ] مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا يمين لسكران ، ولا لمجنون في حال جنونه ، ولا لهاذ في مرضه ، ولا لنائم في نومه ، ولا لمن لم يبلغ .

                                                                                                                                                                                          ووافقنا في كل هذا أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، إلا أنهم خالفونا في السكران وحده ، ووافق في السكران أيضا قولنا ههنا قول المزني ، وأبي سليمان ، وأبي ثور ، والطحاوي ، والكرخي من أصحاب أبي حنيفة ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          وحجتنا في السكران قول الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فمن شهد الله تعالى له بأنه لا يدري ما يقول ، فلا يحل أخذه بما لا يدري ما هو من قوله ، وبيقين ندري أنه لم يعقد اليمين ، والله تعالى لا يؤاخذ إلا بما عقد منها بنص القرآن ، وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قالوا : هو أدخل ذلك على نفسه ؟ فقلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ وما تقولون فيمن قطع الطريق فجرح جراحة أقعدته ، أو جرحها نفسه عابثا عاصيا ، أينتقل إلى حكم من أقعد في سبيل الله ، أو بمرض من عنده عز وجل في جواز الصلاة قاعدا ، وفي وجوب الفطر في رمضان في مرضه أم لا ؟ فمن قولهم : نعم ، فظهر تناقضهم .

                                                                                                                                                                                          وكل من صار إلى حال يبطل اختياره فيها بأي وجه صار إليها ، فهو في حكم من صار إليها بغلبة ، لأن النصوص لم تستثن ههنا من أحوال المصير إلى تلك الحال شيئا .

                                                                                                                                                                                          والعجب من المالكيين القائلين فيمن خرج قاطعا للطريق فاضطر إلى الميتة ، والخنزير : إن له أن يقوي نفسه بأكلها ، والقرآن جاء بخلاف ذلك - وهو قادر على التوبة ثم يأكل حلالا فلا يلزمه ذلك ، ثم لا يرى السكران في حكم من ذهب عقله من أجل أنه هو أدخله على نفسه .

                                                                                                                                                                                          والعجب من أبي حنيفة الذي يرى أن النائم في نهار رمضان إن أكل في حال نومه ، أو شرب ما دس في فمه ، أنه مفطر ، ثم يراه ههنا غير حالف ثم يلزم السكران يمينه ، وهذا عجب جدا .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : لعله متساكر ، ومن يدري أنه سكران ؟ قلنا : ولعل المجنون متجنن ، متحامق ، ومن يدري أنه مجنون ، أو أحمق - [ ص: 309 ] وجوابنا ههنا أنه من حيث يدري أنه مجنون ، يدري أنه سكران ، ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وفي الصبي يحلف : خلاف نذكره : روينا من طريق محمد بن المثنى عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن طاوس قال : إذا حلف الصبي ثم حنث بعد ما يكبر كفر .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد صح عن بعض الصحابة : عمر ، أو عثمان : إقامة الحد على من بلغ خمسة أشبار وإن لم يبلغ - ويلزم من يرى من المالكيين أن يكفر عن الصبي يصيب لصيد في إحرامه أن يكفر عنه إن حنث وإلا فقد تناقضوا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : والحجة في هذا - : هو ما رويناه من طريق أبي داود نا موسى بن إسماعيل نا وهيب هو ابن خالد - عن خالد الحذاء عن أبي الضحى عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي داود نا عثمان بن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة أم المؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : السكران مبتلى بلا شك في عقله .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية