الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال المخيرون في الغلام دون الجارية : قد ثبت التخيير عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام من حديث أبي هريرة ، وثبت عن الخلفاء الراشدين وأبي هريرة ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة البتة ، ولا أنكره منكر . قالوا : وهذا غاية في العدل الممكن ، فإن الأم إنما قدمت في حال الصغر لحاجة الولد إلى التربية والحمل والرضاع والمداراة التي لا تتهيأ لغير النساء ، وإلا فالأم أحد الأبوين ، فكيف تقدم عليه ؟ فإذا بلغ الغلام حدا يعرب فيه عن نفسه ، ويستغني عن الحمل والوضع وما تعانيه النساء ، تساوى الأبوان ، وزال السبب الموجب لتقديم الأم ، والأبوان متساويان فيه ، فلا يقدم أحدهما إلا بمرجح ، والمرجح إما من خارج وهو القرعة ، وإما من جهة الولد وهو اختياره ، وقد جاءت السنة بهذا وهذا ، وقد جمعهما حديث أبي هريرة ، فاعتبرناهما جميعا ، ولم ندفع أحدهما بالآخر . [ ص: 419 ] وقدمنا ما قدمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرنا ما أخره ، فقدم التخيير ؛ لأن القرعة إنما يصار إليها إذا تساوت الحقوق من كل وجه ولم يبق مرجح سواها ، وهكذا فعلنا هاهنا ، قدمنا أحدهما بالاختيار ، فإن لم يختر أو اختارهما جميعا عدلنا إلى القرعة ، فهذا لو لم يكن فيه موافقة السنة لكان من أحسن الأحكام وأعدلها وأقطعها للنزاع بتراضي المتنازعين .

وفيه وجه آخر في مذهب أحمد والشافعي ، أنه إذا لم يختر واحدا منهما كان عند الأم بلا قرعة ؛ لأن الحضانة كانت لها ، وإنما ننقله عنها باختياره ، فإذا لم يختر بقي عندها على ما كان .

فإن قيل : فقد قدمتم التخيير على القرعة ، والحديث فيه تقديم القرعة أولا ثم التخيير ، وهذا أولى ؛ لأن القرعة طريق شرعي للتقديم عند تساوي المستحقين ، وقد تساوى الأبوان ، فالقياس تقديم أحدهما بالقرعة ، فإن أبيا القرعة ، لم يبق إلا اختيار الصبي ، فيرجح به ، فما بال أصحاب أحمد والشافعي قدموا التخيير على القرعة .

قيل : إنما قدم التخيير ، لاتفاق ألفاظ الحديث عليه ، وعمل الخلفاء الراشدين به ، وأما القرعة ، فبعض الرواة ذكرها في الحديث ، وبعضهم لم يذكرها ، وإنما كانت في بعض طرق أبي هريرة رضي الله عنه وحده ، فقدم التخيير عليها ، فإذا تعذر القضاء بالتخيير تعينت القرعة طريقا للترجيح ؛ إذ لم يبق سواها .

التالي السابق


الخدمات العلمية