nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين
عدل عن أسلوب الحكاية عنهم بكلمة ومنهم ; لأن ما حكي هنا حال من أحوال جميعهم .
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، لإعلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بأن المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة ، فلا تغرهم أيمانهم ، فضمير يحلفون عائد إلى الذين يؤذون النبي .
والمراد : الحلف الكاذب ، بقرينة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62والله ورسوله أحق أن يرضوه ، أي بتركهم الأمور التي حلفوا لأجلها ، على أنه قد علم أن أيمانهم كاذبة مما تقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون [ ص: 245 ] فكاف الخطاب للمسلمين ، وذلك يدل على أن المنافقين يحلفون على التبرؤ ، مما يبلغ المسلمين من أقوالهم المؤذية للرسول - عليه الصلاة والسلام ، وذلك يغيظ المسلمين وينكرهم عليهم والنبيء - صلى الله عليه وسلم - يغضي عن ذلك ، فلذلك قال الله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62والله ورسوله أحق أن يرضوه أي أحق منكم بأن يرضوهما ، وسيأتي تعليل أحقية الله ورسوله بأن يرضوهما في الآية التي بعدها فإرضاء الله بالإيمان به وبرسوله وتعظيم رسوله ، وإرضاء الرسول بتصديقه ومحبته وإكرامه .
وإنما أفرد الضمير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62أن يرضوه مع أن المعاد اثنان لأنه أريد عود الضمير إلى أول الاسمين ، واعتبار العطف من عطف الجمل بتقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك ، فيكون الكلام جملتين ثانيتهما كالاحتراس وحذف الخبر إيجاز . ومن نكتة ذلك الإشارة إلى التفرقة بين الإرضاءين ، ومنه قول
ضابئ بن الحارث :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
التقدير : فإني لغريب وقيار بها غريب أيضا . لأن إحدى الغربتين مخالفة لأخراهما .
والضمير المنصوب في يرضوه عائد إلى اسم الجلالة ; لأنه الأهم في الخبر ، ولذلك ابتدئ به ، ألا ترى أن بيت
ضابئ قد جاء في خبره المذكور لام الابتداء الذي هو من علائق إن الكائنة في الجملة الأولى ، دون الجملة الثانية ، وهذا الاستعمال هو الغالب .
وشرط
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62إن كانوا مؤمنين ، مستعمل للحث والتوقع لإيمانهم ; لأن ما حكي عنهم من الأحوال لا يبقى معه احتمال في إيمانهم ، فاستعمل الشرط للتوقع وللحث على الإيمان . وفيه أيضا تسجيل عليهم ، إن أعادوا مثل صنيعهم ، بأنهم كافرون بالله ورسوله ، وفيه تعليم للمؤمنين وتحذير من غضب الله ورسوله .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
عَدَلَ عَنْ أُسْلُوبِ الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ بِكَلِمَةِ وَمِنْهُمْ ; لِأَنَّ مَا حُكِيَ هُنَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ جَمِيعِهِمْ .
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا ، لِإِعْلَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ الْأَيْمَانَ الْكَاذِبَةَ ، فَلَا تَغُرُّهُمْ أَيْمَانُهُمْ ، فَضَمِيرُ يَحْلِفُونَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ .
وَالْمُرَادُ : الْحَلِفُ الْكَاذِبُ ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ، أَيْ بِتَرْكِهِمُ الْأُمُورَ الَّتِي حَلَفُوا لِأَجْلِهَا ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ كَاذِبَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [ ص: 245 ] فَكَافُ الْخِطَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى التَّبَرُّؤِ ، مِمَّا يَبْلُغُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الْمُؤْذِيَةِ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَذَلِكَ يَغِيظُ الْمُسْلِمِينَ وَيُنْكِرُهُمْ عَلَيْهِمْ وَالنَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغْضِي عَنْ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أَيْ أَحَقُّ مِنْكُمْ بِأَنْ يُرْضُوهُمَا ، وَسَيَأْتِي تَعْلِيلُ أَحَقِّيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنْ يُرْضُوهُمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَإِرْضَاءُ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَتَعْظِيمِ رَسُولِهِ ، وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ بِتَصْدِيقِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِكْرَامِهِ .
وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62أَنْ يُرْضُوهُ مَعَ أَنَّ الْمُعَادَ اثْنَانِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى أَوَّلِ الِاسْمَيْنِ ، وَاعْتِبَارُ الْعَطْفِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ بِتَقْدِيرِ : وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ جُمْلَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا كَالِاحْتِرَاسِ وَحَذْفُ الْخَبَرِ إِيجَازٌ . وَمِنْ نُكْتَةِ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِرْضَاءَيْنِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
ضَابِئِ بْنِ الْحَارِثِ :
وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ
التَّقْدِيرُ : فَإِنِّي لَغَرِيبٌ وَقَيَّارٌ بِهَا غَرِيبٌ أَيْضًا . لِأَنَّ إِحْدَى الْغُرْبَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِأُخْرَاهُمَا .
وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يُرْضُوهُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ ; لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ فِي الْخَبَرِ ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْتَ
ضَابِئٍ قَدْ جَاءَ فِي خَبَرِهِ الْمَذْكُورِ لَامُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَلَائِقِ إِنَّ الْكَائِنَةِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى ، دُونَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ هُوَ الْغَالِبُ .
وَشَرْطُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، مُسْتَعْمَلٌ لِلْحَثِّ وَالتَّوَقُّعِ لِإِيمَانِهِمْ ; لِأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالٌ فِي إِيمَانِهِمْ ، فَاسْتُعْمِلَ الشَّرْطُ لِلتَّوَقُّعِ وَلِلْحَثِّ عَلَى الْإِيمَانِ . وَفِيهِ أَيْضًا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ ، إِنْ أَعَادُوا مِثْلَ صَنِيعِهِمْ ، بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَفِيهِ تَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَحْذِيرٌ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .